حين يعاند الطفل أو يرفض التعاون، تميل ردود فعل الأهل تلقائيا نحو التوجيه: "لا تفعل"، "انتبه"، "توقف عن هذا السلوك". ولكن ماذا لو كان خلف هذا العناد حاجة خفية؟ ماذا لو كان السلوك المزعج طريقة غير مباشرة ليقول الطفل: "أنا خائف"، أو "أشعر بالوحدة"، أو ببساطة "أريدك أن تراني"؟
في عالم التربية، هناك لحظات لا يحتاج فيها الطفل إلى إرشاد، بل إلى حضن يحتوي مشاعره قبل أن يعالِج سلوكه. الفهم العميق لهذا التوقيت الدقيق بين التوجيه والاحتضان قد يكون الفرق بين طفل يشعر بالأمان وطفل يتعلم كبت مشاعره.
غالبا ما يُساء تفسير سلوك الطفل، خاصة في المواقف التي تظهر فيها نوبات الغضب أو الرفض أو التراجع. كثير من الأهل يظنون أن الطفل "يختبر الحدود" أو "يتلاعب"، في حين أن الطفل غالبا ما يكون في حالة غرق عاطفي لا يملك أدوات التعبير عنها بالكلمات.
في هذه اللحظات، توجيه الطفل قد يزيد شعوره بالعجز، بينما الاحتضان، سواء كان حضنا فعليا أو تواصلا هادئا بالعين أو تعبيرا لفظيا متفهما مثل: أرى أنك منزعج جدا الآن. يمنحه الشعور بالأمان الداخلي، وهو ما يهيّئه لاحقا لسماع التوجيه وقبول التصحيح.
الأمر لا يتعلق بعمر الطفل فقط، بل بحالة الطفل النفسية في اللحظة نفسها. إليكِ بعض المؤشرات التي تدل على أن طفلكِ لا يحتاج توجيها في اللحظة الراهنة، بل احتواء:
في هذه الحالات، المبادرة بالاحتضان أو النزول إلى مستوى الطفل بصوت هادئ ولمسة حانية قد تكون أكثر تأثيرا من أي توجيه منطقي.
من المهم أن نوضح أن الاحتضان لا يُلغي دور التوجيه، بل يسبقه. فالطفل الذي شعر بالأمان والاحتواء يكون أكثر استعدادا لتقبّل التصحيح وتعديل سلوكه. بعد أن يهدأ، يمكن الحديث معه عن السلوك الخاطئ وتوضيح البدائل بشكل حازم وهادئ.
مثلاً: بعد أن يهدأ الطفل الذي صرخ ورمى لعبته، نقول له: "كنتَ غاضبا جدا، وأنا هنا دائما لأساعدك.. لكن لا يمكننا رمي الأشياء. ما رأيك في أن نصرخ في الوسادة أو نطلب المساعدة بالكلمات؟"
في لحظات الانهيار العاطفي، لا يُربّى الطفل بالعقاب ولا حتى بالنصح، بل بالاقتراب الإنساني. قد لا يتذكر الطفل الكلمات التي قيلت له، لكنه سيتذكر جيدا من وقف بجانبه حين لم يستطع الوقوف بنفسه.
في رحلة التربية، تذكّري دائما: حين يعجز الطفل عن التصرف بحكمة، فهذه ليست دعوة للعقاب، بل نداء للاقتراب. والاقتراب يبدأ أحيانا بحضن.