في اللحظة التي يلوّن فيها الطفل رسمة عشوائية، أو يرتّب ألعابه كما طلبنا، لا نتردد في قول: "برافو عليك!"، نربّت على رأسه، نبالغ أحيانًا في التصفيق، وكأننا نريد أن نحفر داخله شعورًا بالرضا عن نفسه، أو على الأقل، ندفعه لتكرار السلوك الجيد.
يبدو هذا طبيعيًا، بل ومحبّبًا، أليس كذلك؟
لكن السؤال العميق الذي نادراً ما نطرحه هو: هل نحن نمدح الفعل لذاته، أم نزرع في الطفل حاجة دائمة للتقدير الخارجي؟
هل نعلّمه أن يفعل الشيء لأنه يريده ويؤمن به؟ أم لأنه ينتظر التصفيق من حوله؟ وهل يمكن للثناء المتكرر، ولو بنوايا طيبة، أن يتحوّل مع الوقت إلى عبء على الطفل؟ بل إلى مقياس لقيمته الذاتية؟
المديح ليس ضارًا في جوهره، بل هو أحد أدوات التواصل العاطفي التي تُشعر الطفل بأنه مرئي، ومحبوب، ومقدَّر. لكن المشكلة تبدأ عندما يتحوّل المديح إلى عادة تلقائية، تُقال في كل صغيرة وكبيرة، من دون وعي أو تمييز.
عندما يسمع الطفل عبارة "برافو" على كل فعل بسيط، يبدأ في ربط الإنجاز بالتقدير. ومع مرور الوقت، يتحوّل الدافع الداخلي (الرغبة في التعلّم أو الفعل) إلى دافع خارجي (الحصول على المديح). وفي غياب هذا التصفيق، قد يتراجع الحافز تمامًا.
حين يعتاد الطفل على الثناء الفوري، يبدأ في تقييم نفسه من خلال عيون الآخرين. فيقول بعد كل عمل: "هل أعجبك؟" أو "هل أنا رائع؟" وربما يتوقف عن المحاولة إذا لم يحصل على رد مباشر. هنا، تتحول الثقة بالنفس إلى شيء هشّ، يعتمد على تقييمات خارجية لا على شعور داخلي متماسك.
ليس المطلوب أن نتوقف عن المديح تمامًا، بل أن نعيد صياغته ليكون أداة وعي، لا وسيلة تحفيز مشروطة. إليكِ بعض البدائل التي تُغني عن "برافو عليك!" التقليدية:
بهذا، نوجّه اهتمام الطفل إلى جهده، تفكيره، وملاحظاته الداخلية، لا فقط إلى النتيجة التي حصل عليها.
في كل مرحلة عمرية، يحتاج الطفل إلى معرفة أن قيمة ما يقوم به لا تقاس بالنجاح السريع أو الشكل الخارجي فقط، بل بالنية، بالاستمرار، وبالتعلّم من التجربة. عندما نمدح المحاولة، حتى إن لم تكن النتيجة "مبهرة"، نعلّمه أن الفشل ليس عيبًا، وأن الاستمرار يستحق التقدير.
في بعض الأحيان، يكون الصمت أبلغ من المديح. نظرة إعجاب، لمسة على الكتف، ابتسامة فخر، قد توصل للطفل رسالة: "أنا أراك، وأقدّرك، حتى من دون أن أصفّق".
هذه الإشارات الصامتة تُشعر الطفل بالأمان العاطفي، من دون أن تجعله دائم البحث عن ردّ الفعل.
في الختام.. لا بأس أن نقول "برافو"، لكن الأجمل أن نعرف متى نقولها، ولماذا نقولها، وماذا تعني للطفل الذي يسمعها. التربية الواعية لا تلغي العفوية، لكنها تهذّبها، وتحوّل اللحظات اليومية إلى فرص لبناء شخصية داخلها صوت يقول: "أنا أستحق، حتى إن لم يصفّق أحد.