لم يعد الطفل اليوم يكتفي بمراقبة محيطه المباشر ليكوّن صورته عن نفسه. منصّات مثل "يوتيوب" صارت نافذته اليومية على عالم يمتلئ بالأطفال الذين يظهرون وكأنهم أكثر ذكاءً، وشهرة، وجمالًا، أو حتى حظًّا.
من طفل يعرض ألعابه الجديدة في غرفة فاخرة، إلى آخر يقدّم محتوى تعليميًّا متقدّمًا أو يؤدي عروضًا فنية بمستوى احترافي، يجد الكثير من الأطفال أنفسهم يقارنون حياتهم البسيطة بمشاهد مصقولة لا تعكس بالضرورة واقع أقرانهم.
هنا يبدأ التحدّي الحقيقي أمام الأهل: كيف نحتوي هذا الشعور بالمقارنة ونحوله إلى فرصة للوعي بدلاً من أن يصبح عبئًا على نفسية الطفل؟
عندما يُفصح الطفل عن مشاعره تجاه ما يراه، سواء أكان إعجابًا مفرطًا أم إحباطًا من ذاته، من المهم أن نبدأ بالاستماع دون تقليل أو تهوين. الشعور بالمقارنة حقيقي، حتى لو بدا لنا غير منطقي. جملة مثل "لكن هؤلاء فقط على الإنترنت!" لا تساعد، بل تترك الطفل مع شعوره بالاختلاف دون فهم.
من الضروري أن يفهم الطفل أن ما يشاهده على "يوتيوب" هو مادة منتَجة ومُعدّة بدقة، وغالبًا ما يكون خلفها فريق تصوير، ومونتاج، وأحيانًا رعاية تجارية.
بإمكاننا أن نشاهد معه بعض المقاطع، ونسأله بلطف: "هل تعتقد أن هذا الطفل دائمًا سعيد بهذه الطريقة؟"، أو "ما رأيك في عدد المحاولات التي احتاجها ليخرج هذا الفيديو بهذا الشكل؟"
عوضًا عن التركيز على ما يمتلكه الآخرون، شجّعي الطفل على اكتشاف مواهبه الخاصة، حتى لو كانت بسيطة في نظره. ليس الهدف أن يصبح "يوتيوبرًا" أو أن ينافس من يشاهدهم، بل أن يرى قيمة ما يستطيع فعله بنفسه، مهما كان بسيطًا أو مختلفًا.
من المهم تعزيز تقدير الطفل لما لديه، سواء في بيئته أو أسرته أو شخصيته. يمكن التحدث عن الامتنان بطريقة غير موعظة، كأن نربط بين الأمور الصغيرة التي يمتلكها وبين السعادة الفعلية التي يعيشها.
لا يتعلق الأمر بمنع الطفل من استخدام "يوتيوب"، بل بتنظيمه بطريقة صحّية. نساعده على اختيار القنوات التي تقدّم محتوى واقعيًا، تعليميًا، أو ملهمًا بشكل بنّاء، ونمنحه فترات راحة ذهنية بعيدًا عن الشاشة ليبني تصورًا أكثر توازنًا عن نفسه والعالم.
حين نعبّر نحن أيضًا عن مشاعر مقارنة أو تذمّر من الحياة عبر الهاتف أو وسائل التواصل، يلتقط الطفل الرسالة بأن المقارنة أمرٌ طبيعي وضروري. أما حين نُظهر رضا حقيقيًّا عن تفاصيل الحياة اليومية، فإننا نزرع فيه شعورًا بالأمان الداخلي.
الطفل لا يحتاج إلى أن نثنيه عن الإعجاب بالآخرين، بل أن نعلّمه كيف يرى نفسه بعيون عادلة. "يوتيوب" لن يختفي من يومه، لكنه لا يجب أن يكون المعيار الذي يقيس به ذاته. دورنا كأهل هو أن نكون مرآته الحقيقية، التي تعكس له قيمته كما هي، لا كما يراها عبر شاشة مصقولة.