header-banner
أمومة

شعور الطفل بالأمان.. الجذر الأول لكل ما يأتي بعده

أمومة
إيمان بونقطة
26 يونيو 2025,9:40 ص

لا يبدأ الأمان حين تُغلق الأبواب، ولا حين تخفت الأضواء وتُشدد الأحضان. الأمان الحقيقي في حياة الطفل يبدأ من حيث لا يراه أحد: في نبرة الصوت التي يُنادى بها، في نظرة العين التي تستقبله صباحا، في طريقة الاستجابة لبكائه الأول، في الصمت الذي لا يُكسر بغضب، وفي الكلمات التي لا تخذله حتى حين يخطئ.

شعور الطفل بالأمان ليس رفاهية تربوية، بل هو اللبنة الأولى في بنيان شخصيته، والشرط الأساسي لتفتح روحه، وثقته بالعالم من حوله.

وكل ما نراه لاحقا من سلوكيات من توازن أو اضطراب، من قدرة على الحب أو صعوبة في التواصل، يعود إلى جذور هذا الشعور المبكر الذي لا يُرى، لكنه يُعاش بكل كيان الطفل.

ما هو "الأمان" من منظور الطفولة؟

3f4dcabe-58da-46ba-8514-63abf27a6f48

الأمان في الطفولة لا يعني فقط غياب الخطر، بل حضور الطمأنينة. هو أن يعرف الطفل أن هناك من يراه، من يسمعه، من يستوعب مشاعره حتى من دون أن يشرحها.

أن يشعر بأن العالم، كما يتجسّد في والديه، ليس مهددا أو مشروطا أو متقلّبا.

هو الإحساس بأن الحب لا يُسحب عند الخطأ، وأن الغضب لا يعني الانفصال، وأن الحزن لا يواجه بالسخرية أو التجاهل.

أخبار ذات صلة

سحر الأمومة الصامت.. رسالة حب لكل أم

كيف يُبنى الشعور بالأمان لدى الطفل؟

يُبنى شعور الأمان عبر تفاصيل صغيرة، لكنها مستمرة، مثل:

الاتساق

أن تكون استجابة الأهل متوقعة وثابتة، فلا يشعر الطفل بالحيرة تجاه ردود الفعل.

الاحتواء العاطفي

أن يُسمح له بالتعبير عن مشاعره من دون أن يُقاطع أو يُهزأ بها.

اللمسة الحانية

الحضن، اليد التي تمسح على الشعر، النظرة التي تقول: "أنا هنا" قبل أن تُنطق.

الحدود الواضحة

لأن الطفل لا يشعر بالأمان حين يكون المتاح له بلا ضوابط، بل حين يفهم ما يُنتظر منه ضمن مساحة حب واحترام.

الوقت الحاضر بصدق

أن يكون للطفل وقت خاص به حيث يجلس الأب أو الأم معه من دون هاتف، من دون استعجال، ولو عشر دقائق يوميا، يُشعره أنه أولويّة.

213e4c59-5434-477e-a61a-b99571d688e9

عندما يغيب الأمان: ما الذي يحدث؟

حين يُربى الطفل في بيئة لا توفر له الأمان العاطفي، يبدأ بالتكيّف عبر أساليب دفاعية:

  • يصبح هادئا أكثر من اللازم؛ لأنه تعلم أن الانفعال يزعج.
  • أو صاخبا بلا توقف لأنه لا يُرى إلا حين يزعج.
  • يصبح مرضيا للغير بشكل مؤلم، يخشى الرفض، يبحث عن القبول بأي ثمن.
  • أو رافضا لكل سلطة؛ لأنه لم يجد من يحتضنه من دون شروط.

وغالبا ما يحمل هذا الطفل مشاعره المؤجلة إلى حياته المستقبلية: في علاقاته، في ثقته بالآخرين، وفي حواره الداخلي مع نفسه.

هل يمكن ترميم شعور الأمان؟

نعم؛ لأن الأمان لا يرتبط فقط بالطفولة المبكرة، بل هو شعور قابل للاستعادة، إذا توفرت له المساحة الآمنة. يمكن للطفل حتى لو كبر أن يختبر مشاعر أمان جديدة عبر:

  • علاقات قائمة على القبول غير المشروط.
  • بالغين يُصغون دون إصدار أحكام.
  • تجارب تعيد تعريف "الثقة" في ذهنه وجسده معا.
  • والأهم: أن يرى في عيني من يحبّه أنه يستحق أن يُحاط، لا أن يُختبر.

 

شعور الطفل بالأمان هو القاعدة التي تُبنى عليها كل إمكانياته اللاحقة: أن يكتشف، أن يُخطئ ويتعلم، أن يحِب ويُحَب، أن يُبدع دون خوف. هو ليس ترفا تربويا، بل حق أساسي، وجذر عميق إن صلُح، صلحت معه الشجرة كلّها.

وفي عالم يمضي بسرعة، تظل يد الأمان التي تُمدّ إلى الطفل لا حين ينجح، بل حين يتعثر؛ أعظم هدية تُمنح له، وأكثر ما يبقى في ذاكرته، وإن نسي كل شيء آخر.

أخبار ذات صلة

ماذا عندما تصبح الأمومة رحلة شفاء؟

 

footer-banner
foochia-logo