في اللحظة التي تحملين فيها طفلك بين يديك لأول مرة، تتوقّعين "أو يُتوقَّع منك" أن تغمرك مشاعر الحب، وأن تفيض عيناك بالدموع، وأن تشعري بأنكِ خُلقتِ لتكوني أمًا له.
لكن ماذا لو لم يحدث شيء من هذا؟ ماذا لو وجدتِ نفسكِ تحدّقين إليه، تنتظرين إحساسًا لا يأتي؟
ما لا يُقال بصوتٍ عالٍ هو بأن كثيرًا من الأمهات يمررن بهذه اللحظات الصامتة.
لحظات من الفتور العاطفي، من الخدر، من اللاشيء. وهذا لا يعني أنكِ فشلتِ في أول اختبار أمومة، بل أنكِ إنسانة.
في الثقافة الشعبية وصور التواصل الاجتماعي، تُعرض الأمومة كحكاية عشق تبدأ من اللحظة الأولى. لكن الحقيقة أعمق من ذلك، وأكثر إنسانية.
فالرابط العاطفي لا يُزرع دائمًا في اللحظة الأولى، بل ينمو تدريجيًا، مع الوقت، مع اللمسات، مع التعرّف على هذا الكائن الجديد الذي لم تألفيه بعد.
كل هذه الظروف ليست عوائق دائمة، بل محطات مؤقتة يمكن تجاوزها حين نمنح أنفسنا الفهم والرحمة.
حين لا تشعرين بذلك "الدفء المفترض"، قد تتسرّبين إلى دائرة الصمت، تخشين البوح، وتغرقين في شعور بالذنب.
لكن الحقيقة أن ما تمرين به لا يمسّ صلاحيتك كأم، ولا ينتقص من قدرتك على الحب، بل يعكس تعبًا حقيقيًا يحتاج إلى رعاية لا إلى محاكمة.
توقّفوا عن افتراض السعادة المطلقة. الأم قد تبتسم بدافع المجاملة، لكنها من الداخل تبحث عن من يفهم. اسألوها: كيف حالك حقًا؟ كيف تشعرين اليوم؟ هل هناك ما يمكنني فعله؟
لا تحكموا، لا توبّخوا، فقط كونوا حاضرين، ولو بالصمت.
الأمومة ليست لحظة سحرية تُشعل الحب من أول لمسة، بل رحلة تتكوّن من تفاصيل صغيرة، من صبر ووقت ودفء ينمو رويدًا رويدًا. لا بأس إن لم تأتِ المشاعر دفعة واحدة. الحب لا يحتاج إلى إعلان مبكر، بل إلى قلب مفتوح.
أنتِ أمّ كافية، حتى وإن تأخرتِ في الشعور بذلك. فقط لا تنسي أن تمنحي نفسكِ نفس العطف الذي تحاولين منحه لصغيرك.