لا أحد يُحضّر الأمهات حقًا للحظة التي يشعرن فيها بأن "هذا ليس ما تخيّلته".
تأتي الأمومة غالبًا مغموسة في الوعود الوردية: مشاعر حب فيّاضة، لحظات حنان بلا نهاية، صور مثالية لطفل نائم وأم باسمة.
لكن ما لا يُقال كثيرًا هو أن بعض الأمهات؛ حتى الأكثر حُبًّا لأطفالهن، قد يشعرن بالارتباك، بالخيبة، بل وبالحنين المؤلم إلى أنفسهن القديمة.
هذه المشاعر، رغم شيوعها، نادرًا ما تجد مكانًا للحديث عنها. فالاعتراف بأنك لا تستمتعين حاليًا بالأمومة، أو بأنك تشعرين بأنك فقدت شيئًا منك في هذا الطريق، يبدو وكأنه خيانة غير معلنة للأمومة نفسها. فهل يحقّ لكِ أن تعترفي؟ وكيف تتعاملين مع هذه الخيبة التي لا يُسمح لك حتى بتسميتها؟.
قبل أن تأتي الطفولة، تأتي القصص. تقرئين عن "نعمة الأمومة"، وتشاهدين صورًا على وسائل التواصل لأمهات يبدين دائمًا بكامل أناقتهن، في منازل مرتّبة، يضحكن مع أطفال هادئين. تنسجين توقعات عن تجربة ستمنحك الامتلاء، المعنى، وربما بعض السعادة الخالصة.
لكن ما لا يخبرونك به هو أن الطفل لا يأتي فقط بأصوات الضحك، بل أيضًا بصراخ متواصل، ليالٍ بلا نوم، وشعور مستمر بعدم الكفاءة. هناك روتين مرهق، عزلة غير متوقعة، وضغط داخلي لتحمّل كل شيء دون أن تنهاري.
عندما تصطدم هذه الصورة المثالية بأرض الواقع، تولد الخيبة.
ما يجعل الخيبة مؤلمة أكثر هو الشعور بالذنب الذي يرافقها.
هذا الصراع بين ما تشعرين به وما يُفترض أن تشعري به، هو ما يعمّق الهوة بينك وبين ذاتك. يصبح الحديث عن الصعوبة شكلاً من الضعف، والتعبير عن الضيق علامة على أنك لستِ جديرة بهذا الدور، مع أن العكس تمامًا هو الصحيح.
من المهم أن ندرك أن الخيبة ليست نقيض الحب. بل قد تكون أحيانًا أحد تعبيراته. أن تشعري بالإرهاق، بالحزن، بالملل، لا يعني أنك لا تحبين طفلك، بل أنك بشرية تمرّ بتجربة إنسانية بالغة التعقيد.
الخطوة الأولى نحو تخفيف وطأة هذه المشاعر هي التصريح بها. بينك وبين نفسك أولًا، ثم في مساحة آمنة مع من يمكنك الوثوق بهم: صديقة، أخصائية، أو حتى دفترك الشخصي.
حين يُسمح لك بالكلام، يتراجع الضغط، وتستعيدين جزءًا من وضوحك الداخلي.
لعل واحدة من أكبر الضغوط التي تعيشها الأمهات هي الصورة المثالية.
أم صبورة دائمًا، أنيقة دائمًا، حاضرة دائمًا، مبتسمة دائمًا. لكن الحقيقة أن الأمومة ليست بطولة، وليست عرضًا للجمهور.
هي علاقة تنمو، يومًا بيوم، بكل تناقضاتها، وفيها أيام جيدة وأيام لا تُطاق.
يمكنك إعادة تعريف "النجاح كأم" عبر سؤال بسيط:
إن كانت الإجابة نعم، فأنت تقومين بالكثير، حتى إن لم يكن ذلك كما توقعتِ.
الأمومة لا تُلغي المرأة التي كنتِ عليها. بل تحتاج منك أن تعيدي ترتيب المساحة بينها وبين دورك الجديد.
امنحي نفسك دقائق في اليوم دون دور. دون مهمة. دون واجب. فقط لتتذكّري من تكونين.
اقرئي، اكتبي، اصمتي، اخرجي... أي شيء يُعيد لك إحساسك بذاتك.
أنت لا تهربين من الأمومة، بل تحمين قلبك لتستمري فيها دون أن تفرغك بالكامل.
الخيبة في الأمومة ليست علامة على الفشل، بل أحيانًا دليل على أنك كنتِ تتوقّعين الكثير من نفسك، ومن هذه الرحلة.
لا تخافي من مشاعرك، ولا تُحاولي قمعها لتبدو الصورة أجمل. تقبّليها، افهميها، وتواصلي معها بصدق... لأن الأم التي تسمح لنفسها بأن تكون صادقة، تكون أكثر قربًا، أكثر حضورًا، وأكثر إنسانية.