"لا أحبكِ!"... قد تكون هذه الجملة من أكثر ما يجرح قلب الأم أو الأب، خصوصًا عندما تأتي من طفل صغير لم يتجاوز بعد سنواته العشر.
في لحظة غضب أو رفض، يقولها دون تردّد، بينما يقف الوالدان مذهولين أمام وقعها المؤلم.
فهل يقصد الطفل حقًا ما يقول؟ ولماذا ينطق بها أصلًا؟ وكيف يمكن للأهل التعامل مع هذه العبارات دون أن يفقدوا توازنهم العاطفي أو علاقتهم بأبنائهم؟
غالبًا لا تأتي هذه الجملة من فراغ، بل تكون رد فعل عاطفي لحظي ناتج عن مشاعر مكبوتة مثل الإحباط، الغضب، أو عدم الفهم.
قد يقولها الطفل عندما يُمنع من شيء يرغب به، أو عندما يُطلب منه أداء مهمة لا يحبها، مثل إنهاء الواجبات أو الاستعداد للنوم.
في هذه اللحظات، لا يمتلك الطفل المفردات الكافية للتعبير عن مشاعره، فيستخدم عبارة جارحة، لكنها في الحقيقة وسيلة بدائية للتعبير عن الرفض أو الاستياء.
في علم نفس الطفل، تُصنَّف هذه الكلمات على أنها سلوك تعبيري وليس تعبيرًا حقيقيًا عن الكراهية أو انعدام الحب.
فالطفل لم يتعلم بعد أن المشاعر مؤقتة، وأنه يستطيع أن يغضب من أمه دون أن يتوقف عن حبها. لكنه في تلك اللحظة، يشعر بأن الغضب طغى على كل شيء، فيختزل مشاعره في عبارة مبالغ فيها.
هذا يمنح الطفل مفردات بديلة للتعبير، ويعلّمه أن مشاعره مقبولة، لكن هناك طرقًا أفضل للتحدث عنها.
إذا تكررت هذه العبارات بشكل يومي أو بدت خالية من أي انفعال، فقد تكون مؤشرًا على مشكلات أعمق، مثل اضطرابات في العلاقة الأسرية أو شعور مزمن بعدم الفهم أو الإهمال.
في هذه الحالة، من المفيد استشارة مختص نفسي لمراجعة نمط التواصل في البيت، وربما لفهم مشاعر الطفل بشكل أعمق.
وراء عبارة "لا أحبك"، غالبًا ما يختبئ طلب غير منطوق: "أرجوك افهمني، امنحني فرصة لأعبّر عما بداخلي."
الطفل لا يبحث عن عقاب، بل عن احتواء، وعن شخص يرى ما خلف الكلمات لا الكلمات ذاتها.
طفلك لا يكرهك، بل هو يتعلّم كيف يشعر ويتعامل مع عالمه الداخلي. وما يبدو قاسيًا في لحظة، قد يكون فرصة ذهبية لتعليم طفلك دروسًا في الحب اللامشروط، وفي كيفية التعبير عن مشاعره بطريقة صحية وآمنة.
ففي النهاية، الحب الحقيقي لا يُقاس بما يُقال، بل بما نختار أن نسمعه خلف الكلمات.