في مرحلة ما من طفولة كل طفل، تبدأ موجة من الأسئلة التي لا تنتهي: "لماذا السماء زرقاء؟" "لماذا يطير الطائر؟" "لماذا يجب أن ننام مبكرا؟".
بالنسبة للآباء، قد تتحول هذه اللحظات إلى اختبار للصبر، خاصة عندما تتكرر الأسئلة بوتيرة سريعة وكأنها لا تنتهي. لكن خلف هذا السيل من التساؤلات، تجري عملية تنموية عميقة تصنع فارقا في مستقبل الطفل أكثر مما نتخيل.
ولأن الأطفال يختلفون في طرق التعبير عن فضولهم، فقد يظهر بعضهم ذلك من خلال الأسئلة، بينما يترجمه آخرون إلى استكشاف عملي وتجارب مباشرة؛ ما يتطلب من الوالدين الانتباه الدقيق لما يجذب اهتمام الطفل في أنشطته اليومية.
حسب مقال منشور على موقع Psychology Today، للكاتبة جين لومالان، الحاصلة على ماجستير في علم النفس التربوي وماجستير في التعليم، فإن هذه المرحلة الذهبية من التساؤل لا ينبغي أن تمر دون احتفاء ودعم من الأسرة؛ لأنها ترسم ملامح عقلية الطفل مدى الحياة.
“لماذا” تبني المهارات الأهم التي يحتاجها الأطفال مستقبلا، فهي أكثر من مجرد أسئلة متكررة. ربما يشعر الآباء أحيانا بأنهم عالقون في دائرة لا تنتهي من الأسئلة:
ورغم أن الأمر قد يبدو محاولة لإثارة التوتر، إلّا أن الحقيقة أعمق كثيرا: هذه الأسئلة هي تمرين يومي على مهارات التفكير التي سيحتاجها الطفل في حياته.
تُظهر دراسة لشركة ماكنزي أن 11 فقط من أصل 56 مهارة أساسية للمستقبل مرتبطة بالتكنولوجيا أو البرمجة، بينما تركز البقية على مهارات مثل التفكير النقدي، وحل المشكلات، والتواصل، والوعي الذاتي.
هذه القدرات لا تُبنى غالبا في المدرسة، بل تتشكل من خلال الحوارات اليومية في المنزل تماما مثل حوارات “لماذا؟” التي يخوضها الطفل مع والديه.
ليست كل الأسئلة بحثا عن معلومة. أحيانا، يكرر الطفل “لماذا” لتمديد وقت الحديث أو طلب القرب العاطفي. في هذه الحالات، يمكن للوالد أن يلتقط الرسالة ويعرض التواصل المباشر، مثل اللعب أو العناق.
غياب أسئلة “لماذا” لا يعني غياب الفضول. بعض الأطفال يفضلون التعلم بالملاحظة أو التجربة.
هنا ينصح الخبراء بمراقبة الطفل خلال اللعب لمعرفة ما يجذبه، ثم تقديم أنشطة مرتبطة باهتماماته، مثل تجربة علمية بسيطة أو نشاط عملي.
كل “لماذا” هي دليل على عقل نشط يحاول فهم العالم. ليس المطلوب أن يعرف الوالد جميع الإجابات، بل أن يُظهر للطفل أن أسئلته مهمة، وأن التفكير المشترك أهم من الوصول للإجابة النهائية.