في عالم الطبيعة، لا تحتاج الأمهات إلى كتيبات إرشاد أو دورات تدريبية لتعلّم الأمومة. فالكائنات الحية تحمل في غريزتها أعمق دروس الحنان والرعاية.
خذي مثال أنثى الكنغر التي تحتضن صغيرها في كيسها لساعات طويلة، تمنحه الدفء، وتؤمن له الغذاء والحماية حتى يقوى على مواجهة العالم.
هذه اللمسة الفطرية ألهمت العلماء لوضع ما يُعرف بـ"رعاية الكنغر" في طب حديثي الولادة، وهي طريقة تقوم على التلامس الجلدي المباشر بين الأم وطفلها، وتشجع على الرضاعة الطبيعية والبقاء معا أطول فترة ممكنة بعد الولادة.
اليوم، تؤكد دراسة علمية حديثة أن هذا الأسلوب لا يمنح المولود بداية صحية فحسب، بل يترك أثرا إيجابيا يمتد لعقود، ليشكّل شخصية أكثر توازنا وهدوءا وانسجاما مع الآخرين.
في دراسة جديدة تكشف فوائد رعاية الكنغر للأطفال الخدّج وأمهاتهم
نشرت مجلة Pediatrics في عدد ديسمبر دراسة لافتة تابعت قرابة 200 طفل وُلدوا قبل أوانهم في بوغوتا، كولومبيا، لمدة عشرين عاماً، لمعرفة أثر طريقة رعاية الكنغر على نموهم الجسدي والنفسي والاجتماعي.
رعاية الكنغر، المستوحاة من طريقة حمل الأم الكنغر لصغيرها داخل جرابها، تعني بالنسبة للبشر:
الدراسة قسّمت الأطفال إلى مجموعتين:
بعد 20 عاماً، سجّل الأطفال الذين تلقوا رعاية الكنغر معدلات أقل في:
كما أظهروا تكيفاً اجتماعياً أفضل، واستقراراً نفسياً أكبر مقارنة بأقرانهم.
رغم أن الدراسة ركّزت على تأثير رعاية الكنغر على المولود، يرى العديد من الأطباء أن الفائدة تمتد أيضاً للأم.
فالتلامس الجسدي والرضاعة الطبيعية في الأيام الأولى بعد الولادة يعززان الترابط العاطفي ويخففان من التوتر النفسي؛ وهو ما قد ينعكس إيجاباً على الصحة العقلية للأمهات، خاصة عند مواجهة ضغوط ولادة طفل خديج.
تشير هذه النتائج إلى أهمية تقليل الفصل بين الأم ورضيعها الخديج قدر الإمكان، ومنح الأولوية للرعاية الطبيعية متى كانت الحالة الطبية تسمح. فحتى ساعات قليلة من التلامس الجلدي المباشر يمكن أن تكون استثماراً طويل الأمد في الصحة النفسية والاجتماعية للطفل وربما للأم أيضاً.