الحضن، تلك المساحة الصغيرة التي نمنحها لأطفالنا، ليست فقط تلامسًا جسديًا، بل عالمٌ من الطمأنينة، ورسالة صامتة تقول: "أنت آمن، أنت محبوب، أنت كافٍ كما أنت".
ولكن، هل يأتي وقت يصبح فيه هذا الحضن غير كافٍ؟ وهل يكفي وحده ليجبر الكسر ويهدي الطمأنينة حين تتعقد المشاعر في قلب الطفل؟.
حين كان طفلكِ رضيعًا، كان حضنكِ عالمه الكامل. يبكي، فتحملينه؛ يتألم، فيهدأ بين ذراعيكِ. لكن مع مرور السنوات، لا يعود الحضن وحده كافيًا لتضميد ما يشعر به. الأطفال يكبرون، ومشاعرهم تصبح أكثر تعقيدًا، وأكثر احتياجًا لاحتواءٍ نفسي وفهم عميق يتجاوز التلامس الجسدي.
في لحظة ما، قد تضمين صغيركِ، لكنه لا يهدأ. قد يشعر بالغضب، بالحزن، أو بالخذلان، ويبتعد عنكِ رغم قربكِ. هنا، يبدأ السؤال المؤلم بالتسلل إلى داخلكِ: هل فقد الحضن مفعوله؟.
الحضن لا يتوقف عن كونه حاجة، حتى للبالغين. لكنه يصبح، مع الزمن، جزءًا من الاستجابة العاطفية، لا كلها. ما يحتاجه الطفل في عمر المدرسة أو المراهقة ليس فقط التلامس، بل من يسمعه حقًا، من يحتمل غضبه، من يفسح له مساحة ليقول "أنا لست بخير" من دون أن يُحكم عليه أو يُصلَح.
طفلكِ، حين يكبر، يحتاج أن يراكِ تحترمين حزنه، لا تتعجلين "إسكاته". أن تسأليه بدل أن تفترضي، أن تهمسي له: "أنا هنا، ولستُ مستعجلة على أن تتحسن". هذا هو الحضن العاطفي الذي يكمل الحضن الجسدي.
كلها مؤشرات على أن الطفل لا يرفض الحب، بل يبحث عن طريقة جديدة ليتلقاه تتماشى مع نموه ونضجه العاطفي.
هل الأم مذنبة حين لا يكفي حضنها؟
الإجابة قطعًا: لا.
حين لا يكفي الحضن، لا يعني أنكِ قصّرتِ، بل يعني فقط أن طفلكِ يتطور، وأن نوع العلاقة بينكما بحاجة أن تتطور أيضًا. أنتِ لا تفقدين قدرتكِ على منحه الأمان، بل تنتقلين إلى مرحلة جديدة تحتاج أدوات أخرى: الحوار، الصبر، الإصغاء، والمساحة.
اسألي أسئلة حقيقية مثل: "ما أكثر شيء يضايقك هذه الأيام؟" أو "ما الذي تتمنى أن أفهمه عنك؟".
الحضن لا يفقد قيمته أبدًا، لكنه يحتاج أن يُترجَم بلغات أعمق مع الوقت. طفلكِ قد لا يقول لكِ صراحة: "هذا الحضن لا يكفي"، لكنه يظهرها من خلال سلوكه، صمته، أو حتى مقاومته للقرب. لا تخافي من هذا التغير. بل خذيه كدعوة لتوسيع مساحة الحب والاحتواء، لتُصبح أكثر وعيًا، أكثر نضجًا، وأكثر قُربًا — حتى حين يبدو البُعد.
فالحضن الذي لا يكفي اليوم، قد يعود يومًا ليكون ملاذًا، حين يجد فيه من يفهمه دون أن يطلب، ويقبله دون أن يغيره.