في زمن تتسارع فيه التطورات ويصبح الذكاء الاصطناعي قادرًا على معالجة المعلومات أسرع من أي وقت مضى، يبرز سؤال مهم أمام الأهل والمربين: كيف نُنشئ جيلاً يمتلك مهارات التفكير الإبداعي التي لا تستطيع الآلات تقليدها؟
في مقال نشره المربّي والباحث في التعليم والذكاء الاصطناعي تيموثي كوك على موقع Psychology Today، يوضح أن سر عبقرية عقول مثل ليوناردو دا فينشي لم يكن في الموهبة الفطرية وحدها، بل في قدرته على الربط بين مجالات معرفية مختلفة وتحويلها إلى أفكار مبتكرة.
هذا النمط من التفكير، المعروف بـ"التفكير عبر المجالات"، يمكن لأي طفل أن يتعلمه إذا توفرت البيئة المناسبة
عندما يجرب طفل تعديل طول ذراع قاذفة ليرى كيف يؤثر ذلك على المسافة، فهو يتعلم بطريقة عملية مبادئ من الفيزياء والرياضيات وحتى التاريخ، من دون أن يشعر.
هذا بالضبط ما كان يفعله ليوناردو دا فينشي قبل 500 عام، إذ كان يرى أن كل المعارف مترابطة وتشكل منظومة واحدة، وأن حتى الأنشطة البسيطة يمكن أن تخدم أفكارًا إبداعية كبيرة.
تشير الأبحاث العصبية إلى أن الإبداع يولد من التفاعل بين شبكتين دماغيتين:
الأولى مرتبطة بالتفكير التلقائي، والثانية بالانتباه المركز والتقييم. وعندما تمزج بين أفكار من مجالات متعددة، فهو يخلق طرقًا عصبية جديدة، كما اكتشف علماء مثل Benedek وآخرين (2018) وNiyungeko (2024).
تأطير التعليم في صناديق معرفية ضيقة يدمر القدرات الإبداعية، خاصةً مع التركيز على الحفظ والتذكر، وهي مهارات يمكن أن تؤدي إليها الآلات بشكل أفضل مما يقوم به البشر.
في المقابل، التعليم عبر دمج المجالات، كما بينت دراسات Merideth Thomas (2024) على طلبة المرحلة الابتدائية، كشف عن تطوّر في مهارات التفكير الابتكاري: السلاسة، المرونة، الأصالة، والتفصيل.
إليك بعض الأساليب التي تفتح مدار عقل طفلك باتجاه التفكير الإبداعي:
اختاري نشاطًا مفتوحًا لا يُوجَّه بدقة (مثل تجربة بناء قاذفة) يسمح للأطفال بالاكتشاف الذاتي، وربط الفيزياء بالرياضيات بالتاريخ والتعبير الفني، حسب فضولهم الشخصي.
مثلاً، قدمي لطفلك فكرة مناسبة "التصاق قِطع الليغو" لمشكلة تتعلق باللصق في الفصل. هذا يطبع في ذهنه قدرة ربط البيولوجيا بالفيزياء والابتكار العملي.
تهيئة عقل نابض بعبقرية المستقبل.
بما أن الذكاء الاصطناعي يبرع في تكرار وفهم المعلومات، تذكّري أن ما يجعل عقل الطفل فريدًا هي قدرته على الربط المنطقي بين حقول ليست متماسكة، وتطبيقها بإطار إنساني أخلاقي وعاطفي.
ليست عبقرية الأطفال حكراً على القلّة النادرة، بل هي ساحة يمكن تطويرها عبر البيئات التي تشجع على تجاوز حدود المواد الدراسية. حين نمنحهم الأدوات لنسج المعرفة كشبكة واحدة، نمنحهم كنزًا لن يُستنزف بسهولة، بل القدرة على الابتكار الحقيقي في المستقبل.