قد تجدين نفسك في علاقة تبدو "جيدة"، بعض التوتر يظهر بين الحين والآخر، وقد يتجاهل شريكك مشاعرك أحيانا، أو تشعرين بعدم التقدير.
ومع ذلك، تواسين نفسك بعبارات مثل: "على الأقل هو لا يخونني"، أو "عليّ أن أكون ممتنة لأنه أب جيد لأطفالنا". تركّزين على الإيجابيات، وتتغاضين عما يزعجك في الأعماق، فقط حفاظا على الهدوء.
هذا الميل إلى النظر للنصف الممتلئ من الكوب قد يبدو قوة. فالشكر والتفاؤل أدوات قوية للصمود، لكن ماذا لو أصبحت هذه الإيجابية حاجزا يمنعك من رؤية المشاكل الحقيقية التي تحتاج إلى إصلاح؟
لفهم سبب تمسّكنا بالإيجابية، يجدر النظر في جذورنا العاطفية، سواء العائلية أو الثقافية.
إذا نشأتِ في بيئة يسودها التذمر أو النقد أو السلبية، فقد تكونين قد كونتِ نفورا من المشاعر "السلبية"، حينها، تصبح الإيجابية طريقتك للتمرد على هذا الإرث الثقيل.
في المقابل، إن كنتِ قد كبرتِ في ثقافة تمجد الصبر والامتنان و"النظر إلى الجانب المشرق"، فقد تشعرين بضغط داخلي لقمع أي شعور لا يتماشى مع هذا الإطار.
عبارات مثل "غيركِ أحسن حالا منكِ" أو "احمدي الله على ما لديكِ" قد تزرع داخلكِ خوفا من التعبير عن الألم أو عدم الرضا.
أحيانا نتمسك بالإيجابية ببساطة لأنها أسهل من مواجهة مشاعر الغضب أو الحزن أو الخوف.
لكنها لا تختفي، بل تبقى كامنة في الداخل، لتظهر لاحقا على شكل توتر، قلق، أو حتى مرارة.
حين نستخدم الإيجابية كستار لحجب الواقع، فإن لذلك تبعات لا يمكن تجاهلها:
تجاهل التوتر أو الخلافات لا يزيلها، بل قد يعمّقها مع الوقت.
قمع المشاعر الحقيقية يُضعف صِلتكِ بنفسكِ وبالآخرين. فالعلاقات الصحية تحتاج للصدق والانفتاح.
في أغلب الأحيان، تكمن فرصنا في التعلم والنضج في لحظات عدم الراحة. أما التهرب منها، فيؤخر نضوجنا العاطفي.
فيما يلي بعض الاستراتيجيات المستوحاة من نظرية بوين لمساعدتك على خلق توازن صحي:
خذي لحظة لتسألي نفسك: متى أستخدم الإيجابية كوسيلة للهروب؟ هل أقول "مش مشكلة" حين أشعر بالانزعاج؟ هل أتهرّب من المواجهات وأركّز على ما هو "جيد" فقط؟
بدل تصنيف المشاعر بأنها "جيدة" أو "سيئة"، اسمحي لنفسك بالاعتراف بها. قولي: "أشعر بالإحباط لأن شريكي لم يُصغِ إلي"، أو "أشعر بالحزن بسبب الفجوة التي بيننا". الاعتراف بالمشاعر هو الخطوة الأولى لتجاوزها.
عندما تجدين نفسك متفائلة أكثر من اللازم، توقفي واسألي:
الحياة ليست أبيض أو أسود. يمكن أن تشعري بالامتنان والحاجة للتغيير في آن واحد.
مثلا: "أنا ممتنة لدعمه كأب، لكنني أحتاج أن أشعر بأنني مسموعة". أو "أحب عملي، لكنني أشعر بالإرهاق وأحتاج إلى حدود واضحة". أو هذا الأسلوب يتيح لكِ قبول التناقضات من دون إنكار أحد الجانبين.
الامتنان والتفاؤل نعم عظيمة، لكنهما لا يكفيان وحدهما لبناء حياة صحية.
حين نوازن بين الإيجابية والصدق، نتمكن من علاج ما يؤلمنا، وتقوية علاقاتنا، والاقتراب أكثر من ذاتنا الحقيقية.
تذكّري، لا داعي للاختيار بين الامتنان والنمو... بل العيش في ظلهما معًا هو ما يصنع الفرق، حينها، تصبح الحياة أكثر عمقا، وتوازنا، ورضا.