header-banner
تطوير الذات

التفكير الإيجابي في المستقبل يُحسن من رفاهيتنا النفسية

تطوير الذات
إيمان بونقطة
26 مايو 2025,9:53 ص

في زحمة القلق والتوقعات السلبية، قد يبدو التفكير الإيجابي بالمستقبل رفاهية بعيدة المنال. لكن الأبحاث الحديثة في علم الأعصاب تكشف أن مجرد تخيّل أحداث مبهجة قادمة يمكنه أن يُنشّط دوائر التحفيز والمكافأة في الدماغ، ويُعيد تشكيل طريقة تفكيرنا واستجابتنا للمواقف.

التفاؤل، إذًا، ليس مجرد شعور عابر، بل عملية عقلية لها تأثير فعلي على كيمياء الدماغ ومرونته.

في هذا المقال، نستعرض كيف يساعد التفكير المستقبلي الإيجابي على تعزيز التوازن النفسي، وبناء قدرة أفضل على التعامل مع التحديات.

الدماغ وتأثير التفكير الإيجابي 

14428d48-880c-4cf3-917e-0063ec7e31b5

الدماغ البشري ليس عضوًا ثابتًا؛ بل هو في حالة دائمة من التشكّل وإعادة التنظيم تبعًا للأفكار والتجارب، وهي عملية تُعرف بـ"المرونة العصبية".

عندما تفكّر في سيناريوهات إيجابية قادمة، فإنك فعليًا تُدرّب دماغك على بناء مسارات جديدة تعزّز الصحة النفسية والقدرة على التكيّف.

أظهرت دراسة منشورة العام 2019 أن ممارسة "تخيّل المستقبل بإيجابية" تحفّز نشاط القشرة الجبهية الأمامية، وهي المسؤولة عن اتخاذ القرار، وضبط الانفعالات، وتحديد الأهداف.

كما أظهرت دراسات أخرى أن هذا النوع من التفكير يُنشّط مناطق في الدماغ مرتبطة بالمكافأة والتحفيز، مثل المخطط البطني والقشرة الجبهية المدارية، وهو ما يدفع الشخص للشعور بالمتعة والحماس تجاه ما هو قادم.

الكيمياء العصبية للأمل

التفاؤل لا يغيّر مشاعرك فقط، بل يغيّر أيضًا كيمياء دماغك. عند تخيّل مستقبل مشرق، يبدأ الدماغ في إفراز الدوبامين، وهو ناقل عصبي يرتبط بالتحفيز وتوقّع النتائج الإيجابية.

هذا الإفراز يعزز من قدرتك على مواصلة التفكير الإيجابي، ويخلق ما يشبه الدائرة الإيجابية: كلما تخيّلت سيناريوهات مفعمة بالأمل، زادت رغبتك في السعي لتحقيقها.

كما يُعتقد أن السيروتونين وهو ناقل عصبي آخر يرتبط بالاستقرار العاطفي، حيث يرتفع أيضًا في حالات الأمل والتقدّم نحو الأهداف؛ ما يدعم الصحة النفسية على المدى البعيد.

في دراسة منشورة العام 2017، تبين أن الأشخاص المتفائلين يستجيب دماغهم للضغوط بشكل مختلف؛ حيث يُظهر نشاطًا أعلى في مناطق تنظيم الانفعال مثل القشرة الحزامية الأمامية؛ ما يتيح لهم التعافي من التوتر بسرعة وكفاءة أكبر من غيرهم.

لماذا يصعب أحيانًا التفكير بإيجابية؟

رغم فوائد التفكير الإيجابي، إلا أن أدمغتنا لا تميل إليه تلقائيًا. فـ"الانحياز السلبي"- وهو الميل الطبيعي للتركيز على التهديدات والمخاطر- كان في يوم من الأيام أداة للبقاء. لكن في عالم اليوم، يجعل هذا الانحياز كثيرين منّا أسرى للقلق، والتشاؤم، والسيناريوهات السوداوية.

كما أن غياب الأهداف الواضحة أو غموض المستقبل قد يعزّز مشاعر التردد والخوف، ويمنع العقل من تشكيل رؤية إيجابية لما هو قادم.

أخبار ذات صلة

حين يكون التفكير العكسي هو مفتاح النجاح

كيف يمكن تدريب الدماغ على التفاؤل؟

لحسن الحظ، يمكن تعزيز التفكير الإيجابي من خلال تمارين بسيطة وفعّالة، تستند إلى أسس علمية.

ومن أبرز هذه الأساليب ما يُعرف بـ"العلاج الموجّه نحو المستقبل" (Future Directed Therapy)، والذي يستخدم تقنيات تساعد في توجيه العقل نحو آفاق إيجابية:

التصوّر اليومي

خصّص بضع دقائق كل صباح لتخيّل أهدافك وكأنها تحققت. هذا التمرين يُنشّط دوائر الأمل والتحفيز في الدماغ.

دفتر الامتنان المستقبلي

دوّن يوميًا ثلاثة أشياء تتطلع إليها. هذه العادة تُعزّز التركيز على الإيجابيات القادمة بدلًا من اجترار الماضي.

الانتباه الواعي للمستقبل

رغم أن التأمل يركّز غالبًا على الحاضر، إلا أن توجيه هذا الانتباه نحو سيناريوهات إيجابية قريبة، مثل نجاح اجتماع أو لحظة عائلية ممتعة، يرفع من قدرتك على الصمود النفسي.

 

 

التفكير الإيجابي ليس رفاهية نفسية، بل مهارة عقلية قابلة للتدريب، ووسيلة فعالة لإعادة تشكيل الدماغ وتعزيز مرونته. وعندما يتحوّل هذا النمط من التفكير إلى عادة، تتراجع مستويات القلق، وتزداد القدرة على التحمّل، ويصبح التعامل مع التحديات أكثر وعيًا واتزانًا.

وفي زمن تزداد فيه الضغوط النفسية، ربما يكون أكبر استثمار يمكنك تقديمه لصحتك العقلية هو أن تمنح نفسك دقائق يومية من التفكير بالأمل. فالمستقبل لا ينتظر، لكنه دائمًا مفتوح لمن يراه بإيجابية.

أخبار ذات صلة

فن الإصغاء إلى الذات في زمن ضجيج الحياة والآراء

 

footer-banner
foochia-logo