النمو الشخصي ليس مجرد كتب تطوير ذاتي أو خطط يومية محكمة، بل هو رحلة طويلة تتأثر بتصرفاتنا الصغيرة وعاداتنا اليومية.
في كثير من الأحيان، نحن أنفسنا من نضع العوائق في طريق تقدمنا، ليس بقرارات كبيرة وواضحة، بل بعادات تبدو بسيطة لكنها تتراكم مع الوقت وتصبح عبئاً ثقيلاً على صحتنا النفسية واستقرارنا.
تشير دراسات حديثة إلى أن معظم الناس يلجؤون بشكل أو بآخر إلى الهروب النفسي حين يواجهون ضغوطاً أو تحديات، سواء عبر الانشغال المفرط، أو السهر، أو تجنّب المهام الصعبة.
لكن هذه الاستراتيجيات قصيرة المدى تتحول بمرور الوقت إلى أشكال من التخريب الذاتي.
إليك أبرز ثلاث عادات خفية قد تضعف نمونا الشخصي وتستنزف صحتنا النفسية:
قد نعرف تماماً أن مهمة ما عاجلة ومهمة، لكن مواجهتها تعني مواجهة مخاوف أعمق: الخوف من الفشل، الشك في الذات، أو حتى رهبة النجاح وتحمل تبعاته. هنا يظهر التسويف: نلهي أنفسنا بأعمال جانبية أو أنشطة تافهة، فقط لتجنّب مواجهة ما يثير قلقنا.
بحسب دراسة نشرت عام 2022 في Frontiers in Psychology، فإن التسويف غالباً ما يُستخدم كآلية هروب عاطفي مرتبطة بضعف في مهارات تنظيم المشاعر. المشكلة أن هذا السلوك يعزز دوامة مستمرة من القلق والتأجيل، تُضعف الإنتاجية وتؤثر سلباً على الصحة النفسية.
كثيرون يظنون أن السهر الطويل مجرد ترف أو عادة سيئة، لكنه في الحقيقة قد يكون وسيلة للهروب من لحظة الصمت التي تسبق النوم، حيث تظهر الأفكار التي نحاول تجاهلها طوال اليوم. لذا، نستسلم للتصفح المتواصل أو مشاهدة مقاطع لا تنتهي، حتى يسيطر علينا الإنهاك.
دراسة أجريت عام 2023 وجدت أن تأجيل النوم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بزيادة الاستثارة الذهنية قبل النوم، مثل التفكير الزائد أو القلق. وهذا النمط من السلوك يتحول مع الوقت إلى إرهاق مزمن، وفقدان للتركيز، وحتى احتراق نفسي.
من السهل أن نقول نعم لكل طلب أو دعوة، لكن هذا السلوك قد يخفي رفضاً داخلياً للتوقف ومواجهة الذات. حين نملأ جدولنا بالالتزامات، لا نترك مساحة لأسئلتنا الصعبة: ماذا أشعر فعلاً؟ أو ما الذي أحتاجه أنا؟
بحسب دراسة نشرت عام 2023 في International Journal of Environmental Research and Public Health، فإن الإفراط في الالتزامات، مقترناً بالتفكير المفرط، يُعد من أبرز مسببات الإرهاق العاطفي والأعراض الجسدية المرتبطة بالتوتر.
التخريب الذاتي لا يظهر فجأة، بل يتسلل عبر عادات صغيرة ومتكررة: تسويف، سهر بلا داعٍ، أو انشغال مبالغ فيه. إدراك هذه الأنماط هو الخطوة الأولى نحو التحرر منها. ومع ممارسة الوعي والرحمة وتنظيم العواطف، نستطيع تحويل هذه الدائرة المغلقة إلى مسار جديد للنمو الشخصي والنفسي.