في عالم التطوير الذاتي والعناية بالنفس، ظهرت مؤخرًا نظرية جديدة لاقت رواجًا واسعًا تحت اسم "Let Them" أو "دعيهم"، من تقديم الكاتبة وخبيرة التحفيز ميل روبنز.
هذه النظرية تقوم على أساس بسيط لكنه عميق، وهو أن تدَعي الآخرين يعيشون أفكارهم ومشاعرهم ويتصرفون كما يريدون من دون أن تحاولي تغييرهم أو السيطرة عليهم.
هذه النظرية تدعو إلى التحرر من دور المرأة "المنقذة"، وهو الدور الذي كثيرًا ما يسبب لنا نحن النساء القلق والذنب والضغط النفسي.
ولكن، يبقى السؤال الذي تطرحه كثير من النساء: هل إذا "تركتهم وشأنهم" يعني أنني سامحتهم؟ الجواب ببساطة: لا
ابقي معنا لتتعرفي أكثر على أهم العوامل التي تساعدك على الحفاظ على مساحتك وحريتك من دون التدخل بالآخرين ومن دون أن يتدخل أحد بك.
ما تطرحه نظرية "دعيهم" يتمحور حول القبول وليس الغفران. فقبول تصرفات ومشاعر وسلوكيات الآخرين لا يعني بالضرورة أنكِ متفقة معهم أو أنكِ ترحبين بذلك السلوك. القبول يعني أنكِ تدركين حقيقة الموقف، وتتوقفين عن مقاومته أو محاولة تغييره، من دون أن يعني ذلك أنك ترين ما حدث صائباً.
مثلا، يمكن للمرأة أن تقبل بوفاة شخص تحبه، لكنها لا توافق على أن موته كان ضروريًّا أو منصفًا.
ورغم أن القبول والمسامحة قد يتشابهان، فإنهما تجربتان مختلفتان تمامًا. فالمسامحة هي عملية عاطفية تهدف إلى تقليل المشاعر والأفكار والسلوكيات السلبية تجاه من أساء إليكِ، مع تعزيز المشاعر الإيجابية تجاهه.
أما القبول، فهو اعتراف بواقع لا يمكن تغييره، كتصرفات الآخرين أو مشاعرهم، من دون الحاجة إلى تغييره أو تحسينه. وهذا يعني أنه بإمكانكِ القبول من دون أن تشعري أو تتصرفي بطريقة مختلفة تجاه من أساء إليكِ.
العلاقة بين القبول والمسامحة وثيقة. فوضح الباحثان في مجال المسامحة، روبرت إنرايت وريتشارد فيتزجيبونز، أن "المسامحة شكل من أشكال القبول، لكن ليس كل قبول هو مسامحة."
فمثلًا، إن قبلتِ ما حدث، لكنكِ لا ترين الشخص الذي أخطأ بحقكِ إنسانًا يستحق الاحترام، فأنتِ لم تسامحيه. بعض الناس يصالحون الماضي، لكنهم لا يصالحون من كانوا جزءًا من ذلك الماضي. وبالتالي، يمكنكِ القبول بما حدث من دون أن تغفري، ومن دون أن تنوي المسامحة مستقبلًا.
تمامًا كالمسامحة، كثيرون يخلطون بين المصالحة والقبول أو المسامحة. لكن الحقيقة أن المصالحة تحدث فقط عندما يستعيد طرفان أو أكثر علاقةً بعد وقوع الأذى. قد تكون هذه العلاقة ودّية أو محترمة أو حتى شكلية فقط، لكنها لا تعني بالضرورة أن هناك حبًّا أو تقاربًا عاطفيًّا.
فقد تسامحين وتتصالحين، أو تسامحين من دون مصالحة، أو ببساطة لا تسامحين على الإطلاق. كل الخيارات ممكنة ومشروعة. نظرية "دعيهم" لا تشترط المصالحة، بل على العكس، تشجع على رسم الحدود والانفصال العاطفي عندما تقتضي الحاجة.
نظرية ميل روبنز "دعيهم" والمسامحة هما أداتان مفيدتان في التعامل مع العلاقات وتحسين الصحة النفسية. لكنهما ليستا الشيء نفسه. فبينما تركز "دعيهم" على القبول وترك الآخرين يتصرفون كما يشاؤون من دون محاولة السيطرة عليهم، تقوم المسامحة على عملية عاطفية داخلية تهدف إلى تخفيف المشاعر السلبية واستبدالها بأخرى إيجابية.
في النهاية، الخيار لكِ.. يمكنكِ أن "تدعيهم" وتسامحي، أو "تدعيهم" فقط، من دون أن تمنحيهم مكانًا جديدًا في قلبكِ أو حياتكِ. الأمر لا يتعلق بهم بقدر ما يتعلق بكِ، أنتِ.