عندما نتحدث عن مواجهة الخوف، لا نعني فقط التحديات الكبيرة أو المواقف المصيرية، بل نشير أيضًا إلى تفاصيل يومية قد تُربكنا وتعيقنا عن التصرف الطبيعي.
ومن بين أكثر هذه المخاوف شيوعًا: القلق من الإبر، والانزعاج من الإجراءات الطبية الروتينية.
لكن الخبر الجيد هو أن تجاوز هذه المخاوف لم يعد مستحيلًا، بفضل أدوات التنظيم الذاتي التي أثبتت فعاليتها في تقليل التوتر وتحسين الاستجابة الجسدية والنفسية.
الدكتور ران دي. أنبار، المتخصص في طب الرئة للأطفال والمعالج المعتمد بالتنويم الإيحائي، يؤكد في أحد مقالاته أن تدريب العقل على استخدام الخيال بشكل منظَّم يمكن أن يساعد الأطفال والمراهقين – بل والبالغين أيضًا – على التحكم في مشاعرهم، وتخفيف شعور الألم، وحتى استعادة القدرة على الاسترخاء العميق في المواقف الصعبة.
إليك بعض من أبرز الأدوات لتقليل الألم عبر الخيال:
من أبرز تقنيات التنظيم الذاتي التي يشير إليها الدكتور أنبار هي ما يُعرف بتقنية "القفاز السحري". في هذه الطريقة، يُطلب من الشخص أن يتخيل أن يده مغطاة بمادة تخدير موضعي، ثم يرتدي فوقها قفازين سميكين. هذا التصور يرسل إشارات للدماغ تجعل اليد تُصبح أقل حساسية للألم.
ما يجعل هذه الطريقة فعالة هو أن الدماغ ببساطة لا يُفرّق دائمًا بين التجربة الحقيقية والتخيل المكثف، خاصة عندما يتم التركيز على تفاصيل حسية مثل ملمس القفاز أو برودة المخدّر.
ومن خلال تدريب بسيط، يمكن نقل هذا الإحساس بالتخدير من اليد إلى أي منطقة أخرى في الجسم، مثل موضع وخز الإبرة.
أداة ذهنية أخرى يوصي بها الدكتور أنبار هي "مؤشر الراحة" أو Comfort Dial. تخيل وجود عدّاد أمامك يشير إلى مستوى الراحة الجسدية أو النفسية الذي تشعر به في اللحظة. الفكرة أن تتخيل يدك وهي تدير المؤشر ببطء نحو مستوى أعلى من الراحة، مع ملاحظة كيف يتغيّر إحساسك تدريجيًا بمجرد توجيه الانتباه إلى ذلك.
هذه الطريقة تُستخدم ليس فقط أثناء الإجراءات الطبية، بل أيضًا خلال الأوقات التي نشعر فيها بالضغط أو الألم النفسي، مثل المقابلات أو الرحلات الجوية أو حتى قبل النوم.
من الأدوات الفعالة أيضًا، ما يُعرف بالانتقال إلى "مكان مريح" باستخدام الخيال متعدد الحواس.
الفكرة هنا أن يغمض الشخص عينيه ويتخيل نفسه في بيئة هادئة ومريحة، مثل شاطئ أو حديقة أو مكان خاص له ذكرى طيبة.
ثم يُطلب منه أن يركّز على ما يراه، وما يسمعه، وحتى ما يشمه أو يتذوقه هناك. إشراك الحواس كافة في هذه التجربة يعزز الإحساس بالوجود في هذا المكان، ويمنح العقل والجسد فرصة حقيقية للاسترخاء.
لزيادة فعالية هذه الحالة، يمكن ربطها بإيماءة بسيطة (مثل تشبيك الأصابع أو لمس راحة اليد)، بحيث يصبح تنفيذ هذه الإيماءة لاحقًا بمثابة زر سريع لاستدعاء نفس الحالة من الهدوء عند الحاجة.
يرى الدكتور أنبار أن التنظيم الذاتي لا يقتصر على التحكم في الألم أو الخوف فحسب، بل يمنح الشخص شعورًا داخليًا بالقوة والسيطرة. وعندما يشعر الإنسان أن بإمكانه التأثير في تجربته حتى ولو عبر الخيال يتغير سلوكه ومزاجه وثقته بنفسه.
ولا يقتصر أثر هذه الأدوات على الأفراد فقط، بل ينعكس أيضًا على المحيطين بهم. فعندما يتعلم طفل مثلًا كيفية التحكم في خوفه، يشعر الأهل بالاطمئنان، وتتغيّر الأجواء داخل المنزل. فالعافية، كما يراها الدكتور أنبار، تبدأ بفرد واحد، ثم تتوسع لتشمل العائلة بأكملها.