هل فكرتِ يومًا أن أجمل ما يمكن أن يحدث لك؛ قد بدأ أولًا كصورة في ذهنك؟ تلك اللحظة التي أغمضتِ فيها عينيكِ، وتخيّلتِ نجاحك، شفاءك، أو حتى حياتك التي ترغبين بها بعد سنوات، لم تكن مجرد خيال عابر. بل كانت، بكل بساطة، خطوة أولى في بناء واقعك.
يظن البعض أن التخيل رفاهية، أو مضيعة للوقت، بينما تؤكد دراسات نفسية وعصبية أن الدماغ يتعامل مع الصور الذهنية كما لو كانت حقيقية.
في تجربة أجراها باحثون في جامعة هارفارد، تبين أن الأشخاص الذين مارسوا التخيل العقلي لأداء مهمة معيّنة، أظهروا نشاطًا دماغيًا مشابهًا تمامًا لمن قاموا بالتجربة فعليًا.
وكأن العقل لا يفرّق كثيرًا بين الحقيقة والخيال؛ طالما أنكِ تؤمنين بما ترينه بعينيكِ المغمضتين.
لأن التخيل الإيجابي لا يغيّر فقط مزاجك اللحظي، بل يعيد توجيه تركيزك بالكامل. حين تُكثرين من تخيّل ما تريدينه بوضوح، تبدأين لا شعوريًا في اتخاذ قرارات صغيرة تدعم هذا التوجّه.
علم الأعصاب يشرح ذلك من خلال ما يسمّى بـ"نظام التنشيط الشبكي" في الدماغ، وهو المسؤول عن تصفية المعلومات التي نلاحظها من حولنا. ما تفكرين به باستمرار، يصبح ما ينتبه له عقلك.
ولعل هذا ما جعل الرياضيين المحترفين حول العالم يستخدمون التخيل العقلي كجزء من تدريبهم اليومي. لا أحد يستهين بقدرة صورة ذهنية على رفع مستوى الأداء، حتى قبل لمس أرض الواقع.
في كتابها الشهير "Positivity"، تشير الباحثة Barbara Fredrickson إلى أن التفكير الإيجابي لا يصنع فقط شعورًا عابرًا بالارتياح، بل يوسّع قدرات العقل على الابتكار واتخاذ المبادرات. بمعنى آخر، عندما تتخيّلين مستقبلًا مشرقًا، فإنكِ تُعِدّين دماغكِ ليصبح أكثر مرونة، وأقوى في مواجهة العقبات.
لكن، وهنا بيت القصيد، التخيل وحده لا يكفي. الصورة التي ترسمينها داخلك هي خريطة، أما الرحلة فهي تبدأ بخطوة، ثم أخرى. وقد أثبتت أبحاث عديدة أن الجمع بين التخيل الذهني والعمل الواقعي هو ما يصنع الفرق الحقيقي، وليس الاكتفاء بالحلم فقط.
بالتأكيد، ابدئي من هنا:
في دراسة نُشرت في Journal of Creativity in Mental Health أظهرت أن من استخدموا التخيل الإيجابي، سواء عبر اللوحات البصرية أو التمارين الذهنية، أصبحوا أكثر وضوحًا في أهدافهم، وأكثر التزامًا في تحقيقها، مقارنة بمن لم يستخدموا هذه الوسائل.
التخيل الإيجابي ليس طريقًا مختصرًا، ولا أداة سحرية. بل هو تهيئة داخلية تسبق التحوّل الخارجي. هو مساحة صامتة تبنين فيها نفسك من جديد، وتعيدين صياغة نظرتك للحياة، وقدرتك على العيش بشروطك الخاصة.
الحياة ليست دائمًا بيدنا بالكامل. لكن عقولنا؛ دائمًا معنا. والتخيل هو المفتاح الذي يفتح لنا أبوابًا كنا نظنها مغلقة.
ففي كل مرة تختارين أن تري الخير قبل أن يأتي، والقوة قبل أن تتجلى، والنجاح قبل أن يتحقق؛ تكونين قد بدأت فعليًا.