في عالم يمجّد الهدوء ويصف التحكم في المشاعر كأنه مقياس للرقي، كثيراً ما يُنظر إلى الغضب على أنه "سلوك سلبي" يجب كبته، أو "عيب تربوي" لا يليق بالمرأة أو الطفل أو حتى الموظف المثالي.
لكن الحقيقة أكثر تعقيداً: الغضب ليس خطأً، بل شعور طبيعي ومفيد في بعض الأحيان.
ما نحتاج إلى إدراكه أولاً هو أن الغضب ليس فعلاً عدوانياً بحد ذاته. الغضب ليس الصراخ أو الضرب أو الشتم، بل هو رد فعل عاطفي وجسدي تجاه تهديد حقيقي أو شعور بالظلم أو الانتهاك.
الجسم يتفاعل: يتسارع النبض، تتوتر العضلات، ويصبح التركيز حادًا. لكن لا شيء في هذا يعني أن السلوك التالي سيكون عدوانيًا.
يمكننا أن نشعر بالغضب، وأن نعبر عنه بطريقة هادئة وواضحة دون أن نؤذي أنفسنا أو غيرنا.
الغضب ليس فقط حالة مزعجة نرغب في تجاوزها، بل قد يكون جرس إنذار داخلي يخبرنا أن هناك شيئًا خاطئًُا يجب الانتباه له. أحيانًا يكون هو الشعور الذي يوقظنا من حالة رضا مزيّف، أو يدفعنا للدفاع عن حدودنا وكرامتنا.
دراسات كثيرة تربط الغضب بالمشكلات الصحية، مثل ارتفاع ضغط الدم أو أمراض القلب. لكن الأبحاث الأحدث تميّز بين الشعور بالغضب وبين قمعه أو تفجيره بعنف.
ما يضر فعلاً هو:
أما الغضب الذي يُعاش، ويُفهم، ويُعبّر عنه بطريقة ناضجة، فهو لا يضر بالصحة، بل قد يساهم في حماية النفس من الظلم والضغط النفسي المستمر.
في كثير من الأحيان، يكون الغضب قناعاً لمشاعر أعمق: الخوف، الحزن، الإحباط، أو الشعور بالخذلان. من المفيد أن نسأل أنفسنا أو أطفالنا أو شركاءنا عندما يغضبون:
هذا الفهم لا يُضعف الغضب، بل يمنحه معنى. ويساعدنا على التعامل معه بعين الوعي لا الدفاع.
من الناحية النفسية، يُعتبر الغضب من "المشاعر الدافعة" وليس المنسحبة، أي أنه يحركنا نحو الفعل بدلاً من الانكماش أو الانسحاب. وهذا ما يجعل منه طاقة يمكن تسخيرها:
الغضب ليس ضعفًا في الشخصية، ولا قلة تهذيب، ولا خللًا في التوازن. إنه نداء داخلي من النفس تطالب فيه بالكرامة أو الأمان أو العدالة. تجاهله أو شيطنته يُفقدنا أحد أكثر أدواتنا فاعلية لفهم أنفسنا والدفاع عنها.
أن تكوني غاضبة لا يعني أنك "شخص سلبي"، بل يعني أنك حيّة، واعية، وتشعرين بعمق. والسؤال ليس: هل يجب أن أغضب؟ بل: كيف يمكنني استخدام غضبي ليكون قوة للوضوح والنمو؟