هناك لحظات يهمس فيها العقل بصوت خافت، أو يصرخ أحيانًا؛ "أنا لا أستحق"، سواء كان ذلك حبًا أو فرصة أو حتى لحظة فرح.
هذا الشعور العميق بعدم الاستحقاق لا يرتبط غالبًا بالواقع، بل بنظرة قاسية نُكوِّنها عن أنفسنا بمرور الوقت.
وهو شعور شائع أكثر مما نظن، لكنه في الحقيقة عائق خطير يقف أمام تقدير الذات وبناء علاقات صحية ومُرضية.
غالبًا ما ينبع الشعور بعدم الاستحقاق من تجارب سابقة: طفولة صعبة، انتقادات مستمرة، شعور متكرر بالرفض أو التجاهل. بعض الأبحاث، مثل دراسة نشرتها مجلة Journal of Affective Disorders، تربط بين التجارب الصادمة وانخفاض تقدير الذات والشعور المستمر بعدم الجدارة.
هذه المشاعر ليست دليلاً على الحقيقة، بل على الجرح. ومع تراكم التجارب، يتحول الجرح إلى قصة نرويها لأنفسنا: "أنا أقل من غيري"، "لا أستحق الأفضل"، "لا يمكن أن يحبني أحد كما أنا".
في إحدى الجلسات النفسية، عبّر رجل عن إعجابه بزميلته الجديدة في العمل، لكنه قال بثقة: "هي خارج مستواي!". عندما سُئل عن معنى هذه "المستويات"، لم يجد تفسيرًا مقنعًا. هي مجرد فكرة منتشرة: أن لكل شخص "مرتبة" لا يجب تجاوزها. لكن الحقيقة أن هذه المراتب ليست سوى أوهام نتعلمها من المجتمع، الإعلام، أو حتى تعليقات سابقة سمعناها في الطفولة.
الخطوة الأساسية لاستعادة الثقة بالنفس هي اكتشاف ما نُقدِّره حقًا في الحياة. ما الذي يعني لنا شيئًا؟ ما المبادئ التي نؤمن بها؟ عندما نعيش بما يتماشى مع هذه القيم، نشعر تلقائيًا بمزيد من الانسجام والاحترام لذواتنا.
اسأل نفسك:
هذه الأسئلة ليست سهلة، لكنها تفتح بابًا لفهم أعمق لذاتك، بعيدًا عن معايير الآخرين.
في مثال واقعي، شاركت سيدة بتجربة اعتادت فيها تزييف اهتماماتها لإرضاء من تواعدهم. كانت تدّعي حبّ الرياضة أو الهوايات التي لا تعني لها شيئًا فقط لتنال القبول. لكن الثمن كان باهظًا: فقدان ذاتها وشعورها بأنها غير صادقة مع نفسها.
عندما نحاول أن نكسب الحب بإخفاء حقيقتنا، فإننا نرسل لأنفسنا رسالة خفية: "أنا لا أستحق أن أُحب كما أنا". لكن الحب الحقيقي لا يُبنى على تمثيل، بل على القبول والصدق.
أثبتت الدراسات أن الشعور بالتعاطف مع الذات يقلل من القسوة الداخلية، ويُعزز من تقدير الذات. وعندما نتذكر أننا بشر؛ نُخطئ، نرتبك، ونحزن مثل الجميع، يصبح الشعور بعدم الاستحقاق أقل حدة.
كما قالت الباحثة ليزا فيلدمان باريت: "المشاعر ليست حقائق. إنها تفسيرات يبتكرها الدماغ لتجارب جسدية معينة". هذا يعني أن شعورك بأنك "لا تستحق" ليس حكمًا نهائيًا، بل مجرد قصة يمكن تعديلها.
الشعور بأنك "لا تستحق" ليس وصمة عار، بل علامة على جرح يحتاج للرعاية لا للإخفاء. قيمتك لا تحددها تجارب الماضي أو أحكام الآخرين. بل تبدأ من لحظة تدرك فيها أنك إنسان، وأنك تستحق، ببساطة لأنك هنا.
ابدأ بإعادة كتابة قصتك، ولا تنتظر من أحد أن يمنحك الإذن لتكون جديرًا... فقد كنت كذلك منذ البداية.