هل شعرتِ يوماً أن حياتك خرجت عن مسارها؟ أو أن القرارات تُفرض عليك بدل أن تكوني صاحبة القرار؟
الحقيقة أن السيطرة ليست مجرد سلوك، بل هي أساس استمرار الحياة وتوازنها. فالإنسان، على عكس الجماد، يعيش بمحاولة دائمة للحفاظ على استقراره الداخلي مهما تبدّلت الظروف من حوله.
ومن هنا، تصبح القدرة على التحكم فيما نريد وما لا نريد، حجر الزاوية في سعادتنا وصحتنا النفسية.
لو نظرتِ إلى صخرة تحت الشمس ستجدينها تسخن بسرعة، وإذا هطل المطر ستبتلّ فورًا. الجماد يتأثر بالظروف مباشرة، أما الإنسان فقصته مختلفة تمامًا. فعندما ترتفع الحرارة، قد نقرر البقاء في المنزل، أو نذهب للنزهة مع كريم واقٍ، أو نختار أن نستمتع بأشعة الشمس.
الأجساد البشرية تبقى مستقرة تقريبًا في حرارتها ووظائفها، بغضّ النظر عن تغيّر الفصول. هذا المثال البسيط يوضح أن الحياة هي عملية مستمرة للحفاظ على التوازن والسيطرة.
في تفاصيل يومنا العادي، نقوم بآلاف المحاولات الصغيرة للسيطرة دون أن ننتبه. نرتب مواعيدنا، نختار كلماتنا، نُعدّل مظهرنا، ونحدد مع من نتواصل. حتى في المواقف البسيطة، مثل مشاهدة فيلم لا يعجبنا، قد نعيد تخيّل نهايته في أذهاننا بالشكل الذي نرضى به. كل ذلك يعكس حاجة عقلنا المستمرة لأن يبقي الأشياء "على ما يرام".
غالبًا لا ندرك قيمة السيطرة إلا عندما نفقدها. نشعر بالانزعاج عند تعطّل خططنا، أو نفقد أعصابنا عندما لا تجري الأمور كما أردنا. هنا تظهر أهمية الوعي: فكل غضب أو إحباط ما هو إلا إشارة إلى أن قدرتنا على التحكم قد تعطّلت، وأننا بحاجة لإعادة التوازن.
السيطرة ليست فقط على السلوك أو القرارات العملية، بل أيضًا على عالمنا الداخلي. كثيرًا ما نضع لأنفسنا معايير منذ الطفولة، ونتمسك بها حتى في الكبر، دون أن ندرك أنها قد تحتاج إلى تحديث. الوعي بما نريده فعلًا، ولماذا نريده، يساعدنا على تصحيح مسارنا بدل الدوران في حلقة مفرغة.
السيطرة ليست سلوكًا متصلّبًا، بل مهارة حياتية تمنحك القدرة على العيش بوعي، وحماية استقرارك النفسي، وصياغة واقعك كما ترغبين. قد لا يكون كل شيء تحت يدك دائمًا، لكن الطريقة التي تختارين بها أن تتعاملي مع المواقف، هي ما يحدد إن كنتِ تعيشين حياتك كقائدة. أم مجرد متفرجة.