في زحمة الحياة اليومية، نعتاد كثيرًا على كبت المشاعر أو تجاوزها بسرعة. قد نشعر بالانزعاج، القلق، أو التوتر، فنلجأ إلى تبرير الأمر أو تجاهله.
لكن ما لا ندركه هو أن هذه المشاعر، التي نراها أحيانًا عبئًا، هي في الواقع لغة الجسد الأصدق، ومحاولة منه لإيصال رسائل لا يمكن تجاهلها.
وتؤكد د. جونيس ويب، الأخصائية النفسية والباحثة في موضوع الإهمال العاطفي في الطفولة، أن المشاعر ليست حالة طارئة نحتاج إلى إسكاتها، بل نظام إنذار داخلي بالغ الدقة، يساعدنا على البقاء أوفى لأنفسنا، وعلى اتخاذ قرارات أكثر اتساقًا مع قيمنا واحتياجاتنا الحقيقية.
كل شعور نختبره يحمل معنى ورسالة. فالفرح على سبيل المثال، يشير إلى أننا في المكان الصحيح ويحفزنا على الاستمرار. والغضب يُنبّهنا إلى حدود تم انتهاكها. الخوف يدفعنا للحذر أو الابتعاد. الحزن يدعونا للتأمل والمراجعة. المشاعر إذًا ليست عشوائية، بل إشارات حيوية لا ينبغي تجاهلها.
لكننا نُخطئ حين نُدخِل مشاعرنا في خانة "الضعف"، أو نراها دليلاً على الهشاشة. كثيرون تربوا في بيئات لا تمنح المشاعر مساحة، فيكبر الإنسان متعلمًا -بوعي أو من دونه- أن عليه كتمان أحاسيسه كي لا يُعتبر مُزعجًا أو عاطفيًا "زيادة عن اللزوم".
ومع الوقت، يصبح الانفصال عن المشاعر عادة راسخة، تعيق الاتصال الحقيقي بالذات.
العودة إلى الذات لا تتطلب أدوات خارقة، بل فقط لحظة هدوء وفضول. أن تجلس مع شعورك -سواء كان قلقًا، ضيقًا، أم حتى لا تعرف اسمه بعد- وتسمح له بأن يُخبرك بما يريد، هو بداية التصالح. لا يعني ذلك الغرق في المشاعر، بل الإصغاء لها بنضج ومن دون إصدار أحكام.
قد يكون وراء الانزعاج الذي تشعر به في موقف معين دلالة عميقة: ربما رغبة دفينة في التغيير، أو خوف غير معترف به من الرفض، أو حتى حنين لما هو أكثر أصالة.
الإنصات هنا لا يعني "حل المشكلة" فورًا، بل منح الشعور شرعية الوجود، والتساؤل الصادق: ما الذي تحاول هذه المشاعر أن تُخبرني به؟
حين نتجاهل مشاعرنا، فإننا نُقصي واحدًا من أهم مصادر الحكمة الذاتية. قد نعود إلى قرارات لا تشبهنا، أو نحافظ على علاقات تستنزفنا، فقط لأننا لم نفهم الإشارة الأولى التي حاولت مشاعرنا إرسالها.
في المقابل، فإن الإصغاء لمشاعرنا -حتى وإن بدت مربكة- يفتح لنا الباب نحو علاقات أكثر صدقًا، وخيارات أكثر اتزانًا، وصورة أوضح عن أنفسنا.
الأشخاص الذين يتعلّمون الإنصات لمشاعرهم يملكون قدرة أكبر على التمييز بين ما يريدونه فعلًا، وما يفرضه عليهم الخارج.
كما يصبحون أقدر على بناء حدود صحية، وعلى الاعتراف بما يحتاج إلى التغيير في حياتهم من دون الشعور بالذنب أو الخوف.
الوعي بالمشاعر ليس رفاهية، بل خطوة أساسية نحو الصحة النفسية والعاطفية. وقد تكون أعظم هدية يمكن أن نقدمها لأنفسنا هي أن نصغي لما نشعر به، بصبر وصدق واهتمام.
كما تقول د. جونيس ويب، الإصغاء لمشاعرك هو ما لم تحصل عليه في طفولتك، لكنه ما يمكنك منحه لنفسك اليوم.