لطالما كان المال محورا أساسيا في حياة البشر، ليس فقط بوصفه وسيلة لتأمين الاحتياجات الأساسية، بل أيضا باعتباره رمزا للقوة والحرية والقدرة على تحقيق الأحلام.
منذ القدم وحتى يومنا هذا، لم يتوقف الجدل حول سؤال جوهري: هل يمكن للمال أن يشتري السعادة فعلا؟ البعض يرى أن زيادة الدخل تمنح راحة البال وتحسن نوعية الحياة، بينما يعتقد آخرون أن السعادة تنبع من أشياء غير مادية لا يمكن شراؤها، مثل الحب، والصحة، والعلاقات الاجتماعية القوية. ومع تطور علم النفس وازدياد الدراسات المتخصصة، أصبح من الممكن النظر إلى هذه المسألة من منظور علمي يوازن بين الحقائق والأرقام والمشاعر الإنسانية.
في هذا الإطار، تناولت العديد من الأبحاث الحديثة العلاقة المعقدة بين المال والرفاهية النفسية، مقدمةً نتائج قد تبدو متناقضة أحيانا، لكنها تكشف عن أبعاد أعمق لفهم السعادة الإنسانية.
ووفقا للمقال المنشور على موقع Psychology Today، للكاتبة Jade Wu، الحاصلة على درجة الدكتوراه في علم النفس الصحي السريري، فإن المال قد يكون طريقا للسعادة في بعض الحالات، لكنه ليس الضامن لها.
قبل أكثر من عقد، أظهرت بيانات استنادا إلى استطلاع "غالوب" شمل 1000 شخص أن السعادة ترتفع مع زيادة الدخل حتى يصل إلى نحو 75 ألف دولار سنويا. بعد هذا الحد، لم يكن هناك ارتباط واضح بين زيادة المال وارتفاع الرفاه العاطفي.
لكن دراسة أحدث في 2021 شملت أكثر من مليون شخص أظهرت أن السعادة اللحظية يمكن أن تزداد مع الدخل حتى يصل إلى 500 ألف دولار سنويا، دون وجود "حد أقصى" يتوقف عنده هذا التأثير.
بحث سويدي تناول تأثير الفوز باليانصيب على المدى الطويل، أظهر أن الفائزين يتمتعون برضا أكبر عن حياتهم وصحة نفسية أفضل، حتى بعد سنوات من فوزهم، كما كانوا أكثر استعدادًا لمواجهة الأزمات مثل الطلاق أو المرض مقارنة بغير الفائزين.
علم النفس يميز بين نوعين من الرفاه:
الدراسات تتباين حول ما إذا كان الدخل المرتفع يحسن المشاعر اليومية بلا حدود، لكن المؤكد أن المال يؤثر على بعض أنواع المشاعر أكثر من غيرها، مثل الفخر والرضا، في حين يميل أصحاب الدخل الأقل للشعور بالحب والتعاطف.
على سبيل المثال، دراسة أجريت بين شعب المايا في منطقة فقيرة بولاية يوكاتان المكسيكية، لم تجد علاقة بين مستوى الثروة والسعادة، حيث كانت مستويات الرضا عن الحياة مرتفعة رغم انخفاض الدخل.
دراسة عن أصحاب الثروات الكبرى (تجاوزت ثرواتهم 8 ملايين دولار) أظهرت أن من جمعوا ثرواتهم بجهدهم الشخصي شعروا بسعادة أكبر مقارنة بمن ورثوها.
المال ليس السعادة ذاتها، لكنه وسيلة تمنحك وقتا وحرية وأمانا أكثر لممارسة ما تحب. الفوز باليانصيب أو زيادة الدخل قد يرفع الرضا، لكن الزواج أو إنجاب طفل قد يمنح دفعة أكبر للسعادة على المدى القصير، وفي النهاية يعتمد الأمر على كيفية استثمارنا لأموالنا في ما يمنح حياتنا معنى وقيمة.