قد يبدو للآخرين أن بعض الأشخاص يملكون كل ما يُفترض أن يجلب لهم السعادة: وظيفة مستقرة، علاقات اجتماعية، بيت دافئ، أو حتى نجاحات مهنية لافتة.
ومع ذلك، يستمر شعور داخلي بالفراغ أو التعاسة يلازمهم بلا تفسير واضح. فهل السعادة أمر خارجي يتحقق بما نملك، أو أنها ترتبط بنمط تفكيرنا واستجابتنا للواقع؟
في عالم اليوم، حيث تتكرر الضغوط وتتسارع المقارنات، تصبح السعادة هدفًا معقّدًا أكثر من أي وقت مضى.
ومن خلال التجربة الإكلينيكية والمعالجة النفسية، حدد خبراء السلوك الإنساني بعض الأسباب العميقة التي قد تفسر لماذا يواجه البعض صعوبة حقيقية في الإحساس بالرضا، رغم ما يظهر من توازن في حياتهم.
تناولت الأخصائية النفسية والمعالجة المعرفية السلوكية "نيرو فيليسيانو" (Niro Feliciano, LCSW)، في مقال نشر لها على موقع Psychology Today، أربعة أنماط سلوكية شائعة قد تُفسّر لماذا يواجه بعض الأشخاص صعوبة مستمرة في الشعور بالسعادة أو الرضا، رغم توفر مقومات ذلك في حياتهم.
من أكثر ما يسرق الشعور بالفرح هو النظر إلى ما يملكه الآخرون ومقارنة أنفسنا بهم، ولا سيما على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تُعرض أفضل اللحظات فقط.
غالبًا ما تكون هذه المقارنات صاعدة (بمن هو أعلى وأفضل)، ونادرًا ما يقارن الإنسان نفسه بمن هو أقل حظًا؛ ما يعزز مشاعر النقص والسخط.
يميل بعض الأشخاص إلى تبرير مشكلاتهم من خلال إلقاء اللوم على الخارج: الأهل، الشريك، ظروف العمل، والمجتمع… دون أي مراجعة للذات.
هذه النظرة تجعلهم يشعرون بالعجز، إذ يرون أن الحل ليس بأيديهم، بل بيد "الآخر" دائمًا.
عندما تحدث أمور غير متوقعة أو مؤلمة، يركّز البعض على سؤال "لماذا حدث هذا لي؟"، وهو سؤال غالبًا لا يقود إلى إجابة، بل يزيد المعاناة.
رفض الواقع وتأجيل قبوله يجعل الألم يستمر أطول مما يجب، ويمنع الشخص من التقدم في حياته.
أصبح التشتّت جزءًا من نمط الحياة الحديثة، خاصة بسبب الأجهزة الإلكترونية. التنقل المستمر بين المهام والأفكار يمنع التركيز ويُفقد الإنسان لحظة الحاضر، وهو ما يضعف مشاعر التقدير والرضا.
كما أن التفكير الدائم في المستقبل؛ "سأكون سعيدًا عندما..." يشتّت الإنسان عن تقدير الحاضر.
من خلال الانتباه لهذه السلوكيات الأربعة، يمكن لأي شخص أن يبدأ رحلة نحو تحسين جودة حياته.
الوعي بها ليس فقط وسيلة لفهم الذات، بل خطوة أولى نحو التغيير. وإذا شعرت أن هذه الأنماط تسيطر على حياتك، فقد يكون اللجوء إلى معالج نفسي خطوة مهمة نحو استعادة التوازن والرضا.