في عالم تسيطر فيه الكاميرات على تفاصيل الحياة اليومية، وتُقاس فيه القيمة الذاتية بعدد الإعجابات والتفاعلات، يجد الكثير من المشاهير أنفسهم محاصرين بين وهم الكمال ومتطلبات الجمهور.
تحت وهج الأضواء، تتراكم التوقعات، وتُختزل الحياة الشخصية في صورة مثالية لا تحتمل الخطأ. لكن ماذا يحدث عندما تخبو هذه الأضواء، أو يتراجع التفاعل، أو تتلاشى الشهرة؟
في هذا الحوار مع موقع "فوشيا" تسلّط الأخصائية النفسية والاجتماعية لانا قصقص الضوء على التحديات النفسية العميقة التي يعيشها المشاهير، وتحلل الأسباب والنتائج، وتقدّم رؤى حول سبل التوازن والنجاة.
تشير الأخصائية إلى أن السعي المستمر للكمال والظهور بصورة مثالية يضع المشاهير تحت ضغط نفسي دائم. فالكاميرا حاضرة دائمًا، والخوف من ارتكاب الأخطاء أمام الجمهور يصبح هاجسًا، وهو ما يؤدي إلى حالة من القلق المفرط بشأن النجاح والصورة الذاتية.
هذا الضغط يجعلهم يخشون الفشل والهفوات، ويفقدون عفويتهم تدريجيًا، إلى درجة أن بعضهم قد يعاقب نفسه بالشعور بالذنب عند ارتكاب خطأ بسيط. هذا المسار، بحسب الأخصائية، يؤدي إلى إنهاك نفسي طويل الأمد.
عندما تخفت الأضواء، يشعر بعض المشاهير بفراغ داخلي وجودي نتيجة الاعتياد على التصفيق والاهتمام المستمر. يتراجع لديهم الإحساس بالقيمة والتقدير الذاتي، وقد يدخلون في حالة من الانسحاب الاجتماعي.
في حالات كثيرة، يتطور هذا الشعور إلى أعراض اكتئاب وقلق مزمن، يصاحبه خوف من نسيان الجمهور لهم، وضياع المجد السابق.
توضح الأخصائية لانا أن "إدمان الإعجاب" شائع لدى الكثير من المشاهير، وهو يظهر عندما يشعر الشخص بانعدام القيمة الذاتية في غياب التصفيق أو الاهتمام الجماهيري.
في هذه الحالة، قد يلجأ بعضهم للفت الانتباه بطرق لا تعكس مبادئهم الحقيقية، فقط لإعادة إشعال الضجة حولهم.
أما تقدير الذات الصحي، فهو شعور نابع من الداخل، لا يتأثر برأي الآخرين أو مستوى التفاعل، ويمنح صاحبه رضا داخليًا مستقلاً عن الشهرة أو التصفيق. الفرق الجوهري هنا أن الأول يعتمد على إثبات الذات من الخارج، أما الثاني فمصدره داخلي ومستقر.
تلفت الأخصائية إلى أن وسائل التواصل أصبحت مقياسًا يوميًا للنجاح والجدارة، وهو مقياس غير ثابت أو عادل، إذ يعتمد على خوارزميات متقلبة لا تعكس دائمًا جودة العمل أو قيمته.
هذا الربط الوهمي بين التفاعل والقيمة يؤدي إلى قلق شديد عند انخفاض التفاعل، ويخلق حالة من الإحباط وشعور بانعدام الجدارة، لأن المشاعر تُربط بمؤشرات غير إنسانية أو حقيقية.
تشدد الأخصائية على أهمية وعي الشخص بأنه ليس فقط ما يقدمه من محتوى أو فن، بل هو إنسان متكامل له احتياجات وجوانب مختلفة.
من المهم أن يبني علاقات حقيقية خارج إطار الشهرة، وأن يحافظ على جذوره وقيمه، لأنها تشكل أساس هويته المتماسكة.
كما تنصح بإنشاء مسار مهني آخر لا يرتبط بالشهرة، ما يساعد على تحقيق الإشباع والنجاح من مصادر متعددة وليس فقط من الأضواء.
تؤكد الأخصائية وجود فرق كبير بين النموذجين. فصاحب الموهبة الحقيقية يمتلك أدوات داخلية واستقرارًا نفسيًا يجعله قادرًا على الاستمرار حتى في غياب الأضواء.
أما من بنى شهرته على الشكل أو الجدل، فيكون أكثر عرضة للانهيار النفسي عند أول تراجع في الأرقام، لأنه ارتكز على عناصر خارجية قابلة للتلاشي.
وتوضح أن الموهوب لا يخشى الوقت أو الفشل، في حين أن الآخر ينهار لأنه بنى هويته على وهم، لا على أساس متين.
وراء الكاميرا، هناك مشاعر حقيقية، وتحديات نفسية قد تكون قاسية وصامتة.
في زمن تتغيّر فيه مقاييس النجاح وتتعاظم فيه الضغوط، تبدو الحاجة ملحّة لأن يبني المشاهير هوية صلبة لا تهتزّ بانخفاض التفاعل أو تغيّر المزاج العام.
كلمات الأخصائية لانا قصقص تدعونا جميعًا للتأمل في الفرق بين "من يعيش ليُرى" و"من يرى نفسه بصدق"، وبين الشهرة العابرة، والاتزان النفسي المستدام.