الرقة والحنان من أجمل الصفات التي يمكن أن تتحلى بها المرأة، وخصوصًا في أدوارها اليومية كأم، زوجة، أو ابنة.
فهي منبع الاحتواء، وصوت الطمأنينة، واليد التي تُمسِك حين يتخلّى الآخرون.
لكن، هل من الممكن أن تتحول هذه الرقة المفرطة إلى عبء؟ وهل قد يؤدي الإفراط في اللين إلى نتائج عكسية تستهلك المرأة نفسيًا وعاطفيًا؟
في هذا المقال، نفتح نافذة على الجانب الخفي من الحنان الزائد، ونستعرض كيف يمكن للنوايا الطيبة أن تنقلب إلى استنزاف داخلي، وما الذي تحتاجه المرأة لتستعيد توازنها من جديد.
حين تكونين دائمًا المتاحة، المتفهمة، المستمعة، الحاضرة دون شروط... تبدأ الحدود بينك وبين الآخرين في التلاشي.
تتحولين إلى مصدر دعم لا ينضب، حتى لو كان ذلك على حساب راحتك، صحتك النفسية، أو حتى وقتك الخاص.
الطفل يعتاد ألا يسمع كلمة "لا"، الشريك يتوقع أن تتحملي دائمًا، والأصدقاء يطرقون بابك عند الحاجة فقط. كل ذلك يبدو في البداية كدليل على النبل، لكنه مع الوقت، قد يجعلك تشعرين بأنك غير مرئية.
هذه العلامات ليست ضعفًا، بل تنبيه داخلي بأن ميزان العطاء لديك قد اختل، وبأن الوقت قد حان لإعادة النظر فيما تعطينه، وكيف تعطينه.
في كثير من الأحيان، تنبع الرقة الزائدة من الرغبة العميقة في القبول، أو الخوف من أن نُرفض إن لم نكن لطيفين دومًا.
وربما نشأنا في بيئة ربطت بين الحب والتضحية المطلقة، أو تعلّمنا منذ الصغر أن احتياجاتنا تأتي في المرتبة الأخيرة.
لكن المشكلة أن هذا النمط، مع مرور الوقت، يزرع داخلك شعورًا بالاستنزاف، ويجعل الآخرين يعتادون أن تكوني دائمًا "المُنقذة"، دون أن يسأل أحد عمّا تحتاجينه أنت.
أن تكوني طيبة لا يعني أن تهملي ذاتك، وأن تكوني حنونة لا يعني أن تتحملي ما يؤذيك فقط لأنك لا تريدين أن تجرحي مشاعر من أمامك.
المرأة الحنونة لا تُقاس فقط بما تقدمه للآخرين، بل أيضًا بقدرتها على حماية قلبها من الإنهاك. والرقة الحقيقية لا تعني أن تذوبي في احتياجات من حولك، بل أن تكوني قادرة على العطاء دون أن تفقدي نفسك في الطريق.
فأنتِ لستِ ملجأً دائمًا، ولا بطلة خارقة طوال الوقت. أنت إنسانة تستحق الاحتواء مثلما تحتوين، وتستحقين أن تكوني رقيقة... ولكن مع نفسك أولًا.