كل أم تقولها يومًا ما، وربما كل يوم: "أنا متعبة." يخرج التعب من فمها عفويا، بعد يوم طويل من الترتيب، العمل، الرعاية، المحاولات المتكررة للاحتواء، وربما بعد لحظة واحدة من الشعور بأن لا أحد يرى جهودها.
يبدو التعب كلمة عادية، لكن الطفل لا يسمعها ككلمة. الطفل، بعاطفته الدقيقة وحساسيته الفطرية، يسمعها كرسالة. وأحيانًا، كنداء استغاثة، أو كتحذير مبهم، أو كإعلان غامض عن انهيارٍ وشيك.
فما الذي يحدث فعلاً حين تقول الأم "أنا متعبة"؟ وكيف تصل هذه الجملة إلى وعي الطفل؟
الطفل لا يملك بعد النضج الكافي ليُدرك أن التعب حالة مؤقتة، وأن للأم طاقة محدودة، وأنها لا تتخلى عنه حين تقول "تعبت". ما يسمعه الطفل في داخله قد يكون:
ليست هذه التفسيرات عقلانية، لكنها وجدانية فطرية. فالطفل يرى الأم مصدر أمانه الوحيد، ويعتمد على استقرارها العاطفي ليشعر بأنه بخير. لذلك، حين تهتز صورة الأم القوية أو الحاضرة، يترجمها دماغه إلى خطر أو تهديد.
لا يعني هذا أن على الأمهات كبت مشاعرهن أو التظاهر بالقوة طوال الوقت. لكن الفرق يكمن في طريقة التعبير. فقول "أنا متعبة" قد لا يكون المشكلة، بل الطريقة التي يقال بها، والرسائل المرافقة لها.
إذا قيلت الكلمة بنبرة منهارة، متبوعة بتنهيدة ثقيلة، أو مع تعبير بالانسحاب، فغالبًا ما يشعر الطفل بالذنب أو القلق.
أما إذا قيلت برفق، ضمن مناخ من الحميمية، فقد تكون فرصة لتعليم الطفل عن الحدود والتوازن والتعاطف.
التعب لا يقلل من قيمتك كأم. بل حين تعترفين به بصدق ووعي، تُعلّمين طفلك أهم الدروس:
"أنا متعبة" ليست مجرد تعبير جسدي. إنها شيفرة مشاعر، وإشارة لطلب الدعم، ورسالة محمولة عبر نبرتكِ وتعبير وجهكِ وطريقة احتضانكِ للطفل بعدها.
وطفلك، بحساسيته النقية، لا يريد منك أن تكوني خارقة، كل ما يريده أن يعرف أنكِ، حتى في لحظات التعب، ما زلتِ تحبينه، وما زلتِ حاضرة.