في زحمة الحياة اليومية، وبين مسؤوليات الأمومة ودوامة المهام، تبدو لحظات التركيز والحضور الذهني كترف بعيد المنال.
لكن ما الحل حين نحتاج، كأمهات، إلى لحظة هدوء نلتقط فيها أنفاسنا ونسترجع شعورنا بذاتنا؟ بالنسبة للبعض، الجواب يكمن في الركض، وفي السماعة التي تُوضع في أذن واحدة فقط.
في حياة تتسارع فيها المسؤوليات وتتراكم فيها الأصوات، يبحث كثير من الأهل عن وسيلة تبقيهم حاضرين ومتصلين بذاتهم وبمن حولهم.
وبينما تبدو الموسيقى في الظاهر وسيلة للترفيه، فإنها تؤدي دورًا أعمق بكثير عندما تُستخدم بوعي.
تشير الأبحاث إلى أن الاستماع لإيقاعات منتظمة يحفّز مناطق الحركة في الدماغ حتى في حالة السكون، وهو ما يُفسر لماذا تساعد الموسيقى على تحسين الأداء البدني، وزيادة التركيز، والتغلّب على الشعور بالإرهاق.
الإيقاع الصحيح قد لا يُسرّع الخطوات بالضرورة، لكنه يُنعش العزيمة ويدفع الجسد للاستمرار.
بعيدًا عن كونها محفزًا للحركة، تتمتع الموسيقى بقدرة مثبتة على التأثير في الجهاز العصبي.
الأغاني السريعة تساعد على تجاوز الخمول وتحفيز النشاط. والألحان الهادئة تُساهم في خفض معدّل ضربات القلب والتنفس، وتقليل هرمونات التوتر.
هذا التفاعل متعدد الطبقات يجعل من الموسيقى وسيلة فعالة لتنظيم الحالة المزاجية وتعديل إيقاع اليوم.
اختيار استخدام سماعة واحدة فقط أثناء الجري أو التنقّل ليس مجرد إجراء احترازي، بل يعكس وعيًا باللحظة. إبقاء الأذن الأخرى مفتوحة يتيح للمستمع أن يكون حاضرًا في محيطه، متنبهًا للأصوات، للناس، وللتفاصيل العابرة التي تشكّل يومه.
الاستماع إلى الموسيقى، خاصة في بيئة جماعية أو وسط جمع من الناس، يعزّز الشعور بالانتماء. الأبحاث تشير إلى أن التحرك أو الغناء بشكل متزامن يرفع من مستويات "الأوكسيتوسين"، وهو الهرمون المرتبط بالثقة والتواصل.
لذلك، حتى التجارب الفردية مع الموسيقى داخل الزحام يمكن أن تخلق شعورًا عميقًا بالارتباط بالآخرين.
الحضور الذهني لا يُدرّس بالكلام، بل بالممارسة. وعندما يرى الطفل أحد والديه يمارس نشاطًا بسيطًا مثل المشي أو الجري أو التنقل بسماعة واحدة فقط، مستمتعًا بالموسيقى لكنه حاضر في واقعه، فإنه يتعلّم درسًا جوهريًا:
أن الارتباط باللحظة لا يتناقض مع العناية بالذات، وأن الاستماع لا يقل أهمية عن الفعل.
في عالم يدفعنا للانفصال والانشغال الدائم، تصبح التفاصيل الصغيرة هي ما يحفظ توازننا.
سماعة واحدة، أذن مفتوحة، وانتباه لما يدور حولنا... قد تكون هذه أبسط ممارسة للوعي، لكنها الأكثر تأثيرًا على علاقتنا بأنفسنا، وبمن نحب.