في عالم يتسارع فيه كل شيء، وتتصاعد فيه الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، يواجه الأطفال تحديات غير مسبوقة قد تؤثر في نموهم النفسي والمعرفي.
من التغيرات المناخية إلى الأزمات الاقتصادية، ومن ضغوط الدراسة إلى التوترات العائلية، يحتاج الطفل اليوم إلى مهارات أكثر من مجرد التفوق الدراسي أو السلوك الجيد؛ يحتاج إلى مرونة نفسية، تمكنه من الصمود أمام الشدائد، واستعادة توازنه بعد كل أزمة.
لكن هل يولد الأطفال مرنين بطبعهم؟ الحقيقة أن المرونة ليست سمة فطرية بالكامل، بل مهارة مكتسبة تتشكل من خلال عوامل داخلية مثل التحكم بالذات، وتنظيم المشاعر، والإيمان بالقدرة على تجاوز التحديات، إلى جانب عوامل بيئية، أهمها دعم الأهل ورعايتهم.
تُعرّف المرونة النفسية على أنها القدرة على التكيف مع الشدائد، والضغوط، والتهديدات، والظروف الصعبة، والتعافي منها من دون أن تترك أثرًا سلبيًا دائمًا.
ووفقًا للجمعية الأمريكية لعلم النفس (APA)، فإن الأطفال الذين يتمتعون بالمرونة النفسية لا يكونون محصّنين من الألم أو التوتر، لكنهم يملكون أدوات داخلية وخارجية تساعدهم على التعامل معه بطريقة صحية.
غالبًا لا يملك الأطفال الصغار اللغة الكافية للتعبير عن مشاعرهم أو صراعاتهم الداخلية، وقد يُفسّر الأهل صمتهم أو انطوائهم على أنهم بخير، في حين أنهم يعانون بصمت.
من هنا تأتي أهمية مراقبة التغيّرات السلوكية مثل اضطرابات النوم أو الأكل، التقلبات المزاجية، أو تراجع الأداء الدراسي، فكلها مؤشرات تستوجب انتباهاً فورياً.
إليك بعض العوامل التي تساعد طفلك على بناء المرونة النفسية لديه:
الأطفال الذين يحظون بدعم عاطفي من الأهل والمحيط يكونون أكثر قدرة على التكيف. احرصي على خلق بيئة منزلية مستقرة، واستمعي لهم من دون حكم، وادعمي تواصلهم مع أصدقاء إيجابيين ومعلمين داعمين.
الروتين لا يقتل الإبداع، بل يوفّر شعورًا بالأمان. ساعدي طفلك على تنظيم يومه بين التعلم، اللعب، النوم، والتواصل، فهذا الهيكل اليومي يمنحه إحساسًا بالسيطرة في عالم فوضوي.
شجّعي طفلك على الحديث عن إنجازاته الصغيرة، وعلّميه أن الفشل لا يعني نهاية الطريق. استخدمي عبارات تحفيزية صادقة، وركّزي على جهده لا فقط على النتيجة.
قدّمي نموذجًا جيدًا في إدارة التوتر والغضب. مارسي معه تمارين التنفس أو التأمل البسيط، وشاركيه قصصًا تساعده على التعرف على مشاعره وتسميتها، فالتسمية بداية السيطرة.
ما يسمى بـ "التجارب الطفولية الإيجابية" (PCEs) مثل التواصل المفتوح داخل الأسرة، الشعور بالأمان، المشاركة المجتمعية، والحصول على قدوة إيجابية، تساهم في حماية الطفل من آثار الصدمات.
لدى بعض الأطفال، خاصة في المجتمعات المتعددة الأعراق أو اللاجئة، قد يشكل الوعي بالهوية الثقافية مصدرًا مهمًا للحماية النفسية. ساعدي طفلك على الفخر بجذوره، ووفّري له كتبًا ومحتوى يعكس تنوّعه ويعزز احترام الذات.
حتى الأطفال يمكن أن يكونوا جزءًا من التغيير. شاركيه في مبادرات صغيرة كالتبرع أو التطوع أو كتابة رسالة تضامن مع قضية إنسانية، ما يمنحه شعورًا بالقدرة على التأثير الإيجابي.
من المهم إدراك أنه لا توجد طريقة واحدة تناسب جميع الأطفال. بناء المرونة النفسية هو رحلة مستمرة، تقوم على الحب، والانتباه، والتجريب، والتعلم من الأخطاء. حضوركِ، ووعيكِ، وصدق نيتك في دعم طفلك، هي الركائز التي ستمنحه القوة ليقف مجددًا كلما تعثر.