في عالم يزداد فيه التنافس يوماً بعد يوم، يتساءل الكثير من الأهل: هل نربّي أبناءنا ليكونوا ناجحين في الحياة؟ أم أن الأولوية يجب أن تكون لسعادتهم وراحتهم النفسية؟
يبدو السؤال بسيطاً، لكنه في الواقع يعكس صراعاً عميقاً بين منظومتين تربويتين: إحداهما تركّز على الإنجاز والطموح والنتائج، والأخرى تسعى لبناء طفل متزن، مطمئن، يعيش طفولته بامتلاء وهدوء داخلي.
غالباً ما يُختزل "النجاح" في المفهوم المجتمعي الضيق: الدرجات المرتفعة، المراكز الأولى، عدد المهارات التي يتقنها الطفل، أو حتى الجوائز التي يحصدها. هذا التوجه يدفع الأهل إلى ملء أيام أطفالهم بالدروس والأنشطة، بحسن نية، من أجل "ضمان مستقبلهم".
لكن ما لا يُؤخذ في الحسبان أحياناً، هو أن هذا الضغط، حتى وإن بدا مغطى بالحب، قد يسلب الطفل متعته الفطرية في الاستكشاف، ويحوّل الطفولة إلى مهمة لا تنتهي من الأداء والتقييم.
لا تعني تربية طفل سعيد أن نتركه يفعل ما يشاء أو نغفل عن تأديبه وتوجيهه. لكنها تعني أن نضع مشاعره في الحسبان، أن نصغي لاحتياجاته العاطفية، وأن نُشعره بأنه مقبول كما هو، لا فقط عندما ينجح أو يرضي توقعاتنا.
في المقابل، لا بأس أن نسعى إلى زرع حب الإنجاز والطموح في نفس الطفل، لكن على أن يكون ذلك بدافع داخلي ينبع من فضوله وشغفه، لا من سعيه الدائم لنيل رضانا أو خوفه من خيبتنا.
تشير الأبحاث النفسية إلى أن الأطفال الذين يحظون بعلاقات أبوية دافئة، ويشعرون بالأمان العاطفي، هم أكثر قدرة على تحقيق النجاح لاحقاً. بل إن السعادة في الطفولة، بمقاييسها البسيطة، ترتبط لاحقاً بمرونة نفسية أعلى، وقدرة أفضل على التعامل مع التحديات.
في المقابل، الأطفال الذين يُربّون في بيئات صارمة تركّز على النتائج وتغفل الجانب العاطفي، قد يبدون ناجحين ظاهرياً، لكنهم معرضون بنسبة أعلى للقلق والاكتئاب والتعلق المشروط بالإنجاز.
الجواب ليس فقط نعم، بل هو ضروري. يمكن للطفل أن يكون سعيداً وناجحاً في آن واحد، إذا توفرت له بيئة تحتضن مشاعره وتؤمن بقدراته، من دون أن تختزله في نتائجه.
إن التربية الواعية لا تضع النجاح في كفة والسعادة في كفة أخرى، بل تدرك أن الطفل لا يمكن أن يزدهر إلا إذا شعر بالحب غير المشروط، والقبول، والاحترام. ومنها ينطلق بثقة إلى العالم، ويجد دافعه الذاتي للنجاح.
في النهاية، السؤال ليس: هل نريد لأطفالنا أن يكونوا سعداء أم ناجحين؟
بل: كيف نمنحهم طفولة آمنة وعاطفياً غنية، تؤسس لنجاح متوازن في حياتهم، دون أن نسرق منهم طفولتهم على عتبة الإنجاز.