ليست كل أمّ حنونة تتحدث كثيرًا. ليست كل "أحبك" تُقال بصوت مسموع. هناك نوع خفي من الأمومة صامتة لا تُجيد العبارات، لكنها تقيم في التفاصيل الصغيرة.
في ترتيب السرير، في الصحو قبل الجميع، في القلق غير المُعلن، وفي تلك الأفعال اليومية التي تمرّ كأنها عادية، لكنها محمولة على حبّ عميق لا يعرف طريقه إلى الكلمات.
كثير من الأبناء يكبرون وسط هذا النوع من الأمهات. لا يسمعون الإطراء، ولا تُقال لهم الكلمات الدافئة التي يسمعونها في بيوت الآخرين. فيبدأ الشكّ يتسلل بصمت: "هل تحبني؟"، "لماذا لا تقول لي شيئًا؟"، "لماذا يبدو كل شيء ناقصًا؟".
لكن الحقيقة أن الحبّ لا شكل واحد له. فبعض النساء تربّين على كتمان المشاعر، لا لأنهن لا يشعرن، بل لأنهن لم يتعلمن كيف يُظهرن. نشأن في بيئات لا تحتفي بالعاطفة، ولا تتيح مساحة للكلمات، فصرن أمهات يتحدثن بلغة مختلفة: لغة الأفعال التي لا تطلب شكرًا، والقلق الذي لا يُقال، والحضور الذي لا يطلب مقابلًا.
هذه هي "الأمومة الصامتة"، الأمومة التي لا تكتب نفسها بالكلام... لكنها موجودة، ثقيلة بالحضور، غنية بالمعنى، وتستحق أن تُفهم، لا أن يُساء تقديرها.
في الكثير من البيوت، تنمو طفولة بأكملها تحت ظلال أمّ صامتة، لا تقول "أنا فخورة بك"، ولا تُكثر من "أحبك"، لكنها تحضّر الوجبة التي تُحبها دون أن يُطلب منها، وتفهم ملامح وجهك حين تتظاهر بأنك بخير، وتبقى مستيقظة حتى تعود، حتى وإن لم تُخبرك بذلك. هذه الأمومة التي لا تكتب نفسها بالكلام، كثيرًا ما يُساء فهمها.
قد ينشأ بعض الأبناء وهم يتساءلون طوال الوقت: "هل كانت تحبني؟"، "لماذا لم تُخبرني بذلك؟"، وقد يُحملون هذا السؤال معهم حتى مرحلة البلوغ. فالكلمات، بالنسبة للبعض، هي معيار الحب، وغيابها قد يترك فجوة عاطفية يصعب تفسيرها.
لكن مع مرور الوقت، يبدأ بعض الأبناء بقراءة "لغة الصمت"... يدركون أن ذلك الطبق الذي كانت تحرص الأم على تحضيره كل خميس، وتلك النظرة التي لا تُقال فيها الكلمات، كانت حبًا خالصًا في صورة أخرى.
الأمومة ليست أداءً تمثيليًا، ولا حلبة لإثبات العاطفة. ليست كل أم بارعة في التعبير، لكن ما يهم أن يكون هناك تواصل، ولو بأبسط الطرق. أن تكون المشاعر مرئية، حتى لو لم تكن مسموعة.
الأمومة الصامتة ليست ناقصة، لكنها تستحق أن تُفهم. فالحب أحيانًا لا يُقال، بل يُقدّم في طبق طعام، أو يُلمح في انتظار طويل على عتبة الباب، أو في عيون تبحث عنك في كل زاوية من الحياة. فلا تنشغلي بمدى تأثير نوعية أمومتك على مستقبل أطفالك، طالما أن طاقة الحب نفسها تصل من خلال أفعالك.