لم تعد "الحارة" أو ساحة اللعب الحقيقية هي المساحة الوحيدة التي يكتشف فيها الأطفال صداقاتهم، ومهاراتهم الاجتماعية. ففي عالم اليوم، تحوّلت الألعاب الإلكترونية، مثل: Roblox، وMinecraft، وFortnite، إلى ساحات رقمية نابضة، حيث يتواصل الصغار ويتعلمون ويخوضون تحديات جماعية تشبه إلى حدّ كبير تجارب اللعب الواقعية، لكنها تفتقر إلى الحدود الملموسة، والمراقبة المباشرة.
في مرحلة الطفولة الوسطى "ما بين سن 6 و12 عامًا" لا يكون الطفل مجرد متلقٍ للّعب، بل يعيش لحظات تكوين هويته الاجتماعية والعاطفية.
من هنا، فإن تعليمه كيف يتعامل مع العالم الرقمي لا يجب أن يقتصر على تقليص ساعات الشاشة، بل يتطلب بناء ما يُعرف بـ"المرونة الرقمية"، وتعزيز قدرته على التواصل السليم، وضبط مشاعره في المواقف التفاعلية. إليك بعض الإستراتيجيات المفيدة:
عندما يطلب الطفل الانضمام إلى لعبة إلكترونية، لا تقابلوه بالرفض أو التخوف، بل ابدأوا بسؤالٍ بسيط: ما الذي يعجبك في هذه اللعبة؟ مَن مِن أصدقائك يلعبها؟ هذا النوع من الحوارات يُبقي الباب مفتوحًا بين الطفل ووالديه، ويجعله أكثر استعدادًا للعودة إليكما إذا واجه موقفًا مقلقًا أو مزعجًا في اللعبة.
كما نُحذّر الأطفال من التحدث مع الغرباء في الحياة الواقعية، يجب أن نترجم هذا المفهوم إلى العالم الافتراضي. فالشخص الذي يتحدث إليه الطفل عبر اللعبة قد لا يكون طفلًا آخر كما يبدو. استخدموا عبارات مبسطة تناسب سنّه مثل: "إذا تحدث إليك أحد لا تعرفه، أو طلب منك أن تنتقل إلى تطبيق آخر، عليك إخباري فورًا". من المفيد أيضًا تمثيل بعض المواقف الافتراضية معه، وتدريبه على طريقة الرد.
الأطفال في هذا السن يستفيدون من وجود إطار منظم وواضح. يمكن إعداد "اتفاقية للّعب" تتضمن:
هذه الاتفاقية لا تهدف إلى التقييد، بل تمنح الطفل شعورًا بالأمان والانضباط.
الطفولة الوسطى هي فترة ذهبية لبناء روابط قوية مع الطفل. حاولوا الجلوس معه أثناء اللعب، دعوه يشرح لكم قوانين اللعبة، وشاهدوا كيف يتفاعل مع أقرانه.
هذه التجربة تمنحكم نافذة حقيقية على مشاعره، وانفعالاته، ومهاراته الاجتماعية، وتتيح لكم توجيهه في لحظتها.
اللعب الجماعي قد يثير مشاعر قوية: الغضب، الغيرة، الشعور بالإقصاء، أو الحماسة الزائدة. وهنا، يحتاج الطفل إلى أدوات لفظية تساعده على تسمية مشاعره وضبطها. يمكن استخدام وسائل بصرية أو تعليمه عبارات، مثل: "أحتاج إلى استراحة"، أو "هذه اللعبة جعلتني أشعر بالحزن".
اللعب الإلكتروني لم يعد خيارًا هامشيًا، بل أصبح جزءًا أصيلًا من تجربة الطفولة الحديثة. بدلاً من مقاومته، علينا استخدامه كأداة تعليمية لبناء وعي الطفل الرقمي، وتعزيز قيم الأمان، والتواصل، وتنمية الذات. الحوارات التي نخوضها اليوم ستصنع فارقًا كبيرًا في علاقته بالتكنولوجيا وفي ثقته بنفسه وبتعامله مع أقرانه.