في لحظات كثيرة، تجد الأم نفسها حبيسة هذا السؤال المتكرر: لماذا لا يستطيع طفلي اللعب وحده؟ قد يكون الطفل محاطًا بالألعاب، وفي بيئة آمنة ومحفزة، لكنه لا يزال يبحث عن وجود الكبار، أو يطلب مشاركتهم، أو يرفض الانخراط في اللعب بمفرده ولو لعدة دقائق.
هذا السلوك قد يُشعر الأهل بالقلق، أو حتى الذنب، خصوصًا إذا كانوا يظنون أنه ناتج عن تقصير تربوي أو دلال زائد.
لكن الحقيقة أعمق من ذلك: في كثير من الحالات، يكون القلق هو السبب الجذري لهذا التعلّق.
اللعب المنفرد لا يأتي بالفطرة لكل الأطفال، بل يتطلب شعورًا داخليًا بالأمان، ودرجة من النضج الانفعالي والقدرة على تنظيم الذات.
الطفل القلق، أو الذي يعيش توترًا داخليًا، يجد صعوبة في تهدئة نفسه بمفرده، ولذلك يكون وجود أحد الوالدين بمنزلة "المرساة" التي يحتاجها ليشعر بالاستقرار.
قد لا يُعبّر الطفل عن قلقه بالكلمات، لكنه يُظهره من خلال سلوكات مثل:
هذه العلامات لا تشير بالضرورة إلى مشكلة خطيرة، لكنها قد تكون إشارة إلى أن الطفل بحاجة إلى مزيد من الطمأنينة النفسية والروتين الثابت.
القلق في الطفولة لا يكون دائمًا ناتجًا عن حادث كبير، أحيانًا، تكون أسبابه بسيطة وغير ملحوظة، مثل:
ليس بالضرورة، قد يكون الطفل ببساطة في مرحلة انتقالية، أو من نوع الشخصيات الاجتماعية التي تستمتع بالتفاعل أكثر من العزلة، لكن عندما يتحوّل رفض اللعب المنفرد إلى نمط دائم يُسبب توترًا متكرّرًا، ويمنع الطفل من الاستمتاع بلحظات الاكتشاف الذاتي، حينها يجدر التوقّف والتأمل.
يمكنك بالتأكيد مساعدة طفلك على تعلم اللعب المستقل، مع بعض من الخطوات التي تمنحه شعورًا بالأمان والشجاعة:
لا تتوقعي أن يلعب الطفل وحده مدة طويلة من أول محاولة، ابدئي بدقائق معدودة، وكوني قريبة جسديًا لكن غير منخرطة.
قولي له: "سألعب معك 5 دقائق، ثم سأجلس لأكمل عملي، وسأعود إليك بعد 10 دقائق". بهذه الطريقة يتعلم انتظار وجودك من دون فزع.
خصصي وقتًا ثابتًا كل يوم لهذا النوع من اللعب، ليشعر الطفل بالأمان من التكرار.
مثل المكعبات، والصناديق، والأدوات الفنية... التي تتيح له الإبداع بدلًا من الاعتماد على ألعاب إلكترونية جاهزة.
حتى لو قال "أنا لا أعرف كيف ألعب"، شجعيه على المحاولة، ولا تسرعي للإنقاذ أو المشاركة الفورية.
بدلًا من قول "لماذا لا تلعب وحدك؟"، جربي "أنت رائع في ابتكار الألعاب، متأكدة أنك ستخترع شيئًا مميزًا".
إذا لاحظتِ أن الطفل يعاني من:
فقد يكون من المفيد استشارة أخصائي نفسي للأطفال لتقييم الحالة، والتأكد من أن الطفل لا يمر بقلق انفصالي أو توتر مستمر.
في النهاية، اللعب المنفرد ليس مهارة يتعلّمها الطفل تحت الضغط أو المقارنة، بل يتطور طبيعيًا عندما يشعر بالأمان الداخلي، والثقة بأن العالم من حوله يمكن استكشافه من دون خوف، طفلك لا يرفض اللعب وحده لأنك فشلتِ، بل لأنه يقول لك بلغة غير مباشرة: "ما زلت بحاجة لأن تطمئنيني أكثر".
امنحيه هذا الأمان، وسترين كيف يبدأ في بناء عالمه الخاص... خطوة بخطوة.