الأمومة تجربة غنية ومليئة بالتحديات، تتطلب من المرأة العطاء المستمر على مدار الساعة، جسديًا ونفسيًا وعاطفيًا.
وبينما تحمل الأم في قلبها حبًا لا حدود له لأطفالها، فإن الضغط النفسي والعاطفي قد يتراكم حتى يصل إلى حد الإنهاك العاطفي، ذلك الشعور بالإرهاق العميق الذي قد يؤثر على صحتها النفسية وجودة حياتها الأسرية.
في هذا المقال، نستعرض كيف يمكن للأم حماية مشاعرها من الإنهاك العاطفي، لتضمن استمرارية رحلتها الأمومية بصحة نفسية جيدة وتوازن عاطفي.
الإنهاك العاطفي ليس مجرد تعب عابر، بل حالة من الاستنزاف العميق للطاقة العاطفية. يشعر فيها الإنسان بأنه غير قادر على الاستجابة لمتطلبات الحياة العاطفية، ويشعر بالفراغ، والتوتر، وفقدان الحماس.
على الأم أن تدرك أن شعورها بهذه الحالة أمر طبيعي في ظل الضغوط الكبيرة التي تواجهها، وليس دليلاً على ضعف أو فشل. هذا الوعي هو بداية العلاج؛ لأنه يفتح الباب أمام طلب الدعم وتطبيق استراتيجيات الحماية.
في خضم مسؤوليات الأمومة اليومية، غالبًا ما تُهمل الأم نفسها. لكن من الضروري جدًا أن تذكري أن العناية بالنفس ليست أنانية، بل شرط أساسي للحفاظ على صحتك النفسية وقدرتك على العطاء.
احرصي على تخصيص وقت يومي أو أسبوعي بسيط لأنشطة ترفيهية تحبينها، سواء كانت قراءة كتاب، ممارسة الرياضة، التنزه، أو حتى الاسترخاء بهدوء. هذه الفترات تمنحك فرصة لإعادة شحن طاقتك العاطفية.
في كثير من الأحيان، ما يزيد الشعور بالضغط هو عندما لا تستطيعين قول "لا" أو تحديد ما يمكن تحمله من مسؤوليات إضافية. تعلّمي أن تضعي حدودًا واضحة مع العائلة، الأصدقاء، أو حتى في العمل.
تحدثي بصراحة عن حاجتك للدعم والراحة، ولا تترددي في طلب المساعدة عندما تحتاجينها. مشاركة الأعباء تجعل الرحلة أسهل وأقل إنهاكًا.
الأمومة ليست دائمًا مليئة بالسعادة، ولا بأس أن تشعري بالإحباط، الغضب، أو الحزن أحيانًا. كوني صادقة مع نفسك ومع من تثقين بهم. الحديث عن مشاعرك وعدم كبتها يخفف العبء النفسي ويقلل من فرص تراكم الضغوط.
إذا شعرتِ بصعوبة في التعبير، يمكنك اللجوء إلى جلسات مع مختص نفسي أو مجموعات دعم للأمهات، حيث تجدين مساحات آمنة للتنفيس والتوجيه.
التنفس العميق وتقنيات الاسترخاء مثل التأمل واليوغا لها تأثير واضح في تقليل التوتر والاستنزاف العاطفي. يمكن لهذه الممارسات أن ترد إليكِ توازنك النفسي وتساعدك على مواجهة ضغوط الأمومة بشكل أكثر هدوءًا.
جربي تخصيص دقائق قليلة يوميًا لهذه التقنيات وستلاحظين فرقًا ملحوظًا في حالتك النفسية.
الأمومة رحلة طويلة، وأحيانًا تشعرين أن كل يوم يحمل تحديات لا تنتهي. لا تنتظري النجاحات الكبيرة فقط، بل احتفلي بالخطوات الصغيرة التي تخطينها مع أطفالك.
تذكير نفسك بالإنجازات، مهما كانت بسيطة، يعزز من شعورك بالكفاءة والرضا، ويقلل من إحساس الإحباط والإرهاق.
مشاركة التجارب مع نساء يمررن بتجارب مشابهة يمكن أن تكون دعمًا نفسيًا مهمًا. التواصل مع أمهات أخريات يوفر لك مساحة لتبادل النصائح، التعبير عن المشاعر، وتلقي التشجيع.
وجود شبكة دعم اجتماعية يقلل من شعور الوحدة ويعزز من قدرتك على التعامل مع الضغوط.
رحلة الأمومة مليئة بالتحديات، والإنهاك العاطفي جزء طبيعي منها، لكنه ليس أمرًا لا يمكن تجاوزه. بالحفاظ على وعيك بمشاعرك، وإعطاء نفسك الاهتمام اللازم، ووضع حدود واضحة، والتواصل مع الآخرين، يمكنك حماية نفسك من الانهيار العاطفي.
في نهاية المطاف، أم سعيدة ومتزنة نفسيًا هي الأم التي تستطيع أن تمنح أطفالها الحب والرعاية التي يستحقونها.