هل سبق أن خرجتِ من اجتماع عمل، أو لقاء ودي، أو حتى مكالمة مع أحد المقربين، وأنتِ تشعرين بأنكِ استُنزفتِ بالكامل؟
دون سبب ظاهر، فقط شعور بثقل في النفس وجمود في الطاقة. قد تظنين أن المشكلة في عدد التفاعلات أو في طبيعتك الانطوائية، لكن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير.
التعب العاطفي الذي نشعر به بعد التفاعل مع الآخرين لا يرتبط فقط بعدد اللقاءات أو شدّتها، بل بمن نضطر أن نكون خلال هذه اللقاءات: هل نتصنّع؟ هل نكتم؟ هل نتحمّل؟
إليك أبرز الأسباب الخفية التي تجعل العلاقات مرهقة:
في كثير من المواقف المهنية أو الاجتماعية، ننتقل لا شعوريًا إلى "وضع الأداء". نحاول أن نبدو مثاليين، نتحكم بتعابيرنا، نراقب كيف ننظر، وكيف نتحدث. هذه الاستراتيجية "المعروفة في علم النفس باسم إدارة الانطباع" تبدو طبيعية، لكنها تستنزفنا نفسيًا.
وفقًا لدراسة نشرتها Journal of Organizational Behavior (Bolino et al., 2008)، فإن مراقبة الذات المستمرة أثناء التفاعل مع الآخرين ترتبط بزيادة الضغط النفسي، وتراجع الشعور بالأصالة، وصولًا إلى إنهاك طويل الأمد.
على الطرف الآخر من الطيف، لا يأتي التعب دائمًا من كثافة المشاعر، بل أحيانًا من غيابها. التفاعل السطحي، الحديث المتكرر، الاجتماعات التي لا تضيف شيئًا، تجعلنا نُرهَق بطريقة مختلفة تُعرف باسم الإرهاق السلبي.
في دراسة نشرتها Physiology & Behavior (Pattyn et al., 2008)، تبين أن البيئات الخالية من التحفيز الذهني تقلل من اليقظة وتزيد الشعور بالتعب. لا يعني ذلك أنكِ لا تحبين الناس، بل أن عقلك بحاجة إلى معنى وحيوية في التفاعل، لا مجرد الحضور.
هناك نوع ثالث من التعب لا يُرى بسهولة: أن تكوني المستمعة الدائمة، المهدئة، المصلحة، من تحمل أحمال الآخرين بلا مقابل.
قد تتحدثين مع شخص لا ينصت، أو يكرر مشكلاته دون رغبة في التغيير، أو لا يسألكِ أبدًا: "وأنتِ، كيف حالك؟".
هذا النمط يُرهق النفس تدريجيًا، ويصفه الباحثون بمصطلح الاجترار المشترك (Co-rumination)، وهو التحدث المطوّل والمكرر عن المشكلات دون الوصول لحل؛ ما يزيد التوتر والضغط (Rose, 2002). ومع مرور الوقت، نشعر وكأننا نخسر أجزاءً من طاقتنا كلما قدّمنا الدعم من دون أن نتلقاه.
الشفاء لا يعني العزلة. أحيانًا، ما نحتاجه ليس الهروب من الناس، بل اختيار العلاقات التي تُشبهنا وتمنحنا الأمان والاتصال الحقيقي.
إليك خطوات عملية لاستعادة التوازن العاطفي:
هل يتغير صوتكِ؟ هل تشعرين بأنكِ تجهدين نفسك لتبدين "مناسبة"؟ أعيدي الاتصال بذاتك الحقيقية، واسمحي لنفسك بأن تكوني مرتاحة، لا مثالية.
ابحثي عن لحظات تُنصتين فيها وتُنصتين لكِ. العلاقات المتوازنة، التي يشعر فيها الطرفان بالفضول والانفتاح، تُنعش الروح أكثر من أي عزلة.
إذا شعرتِ أنكِ تتحمّلين مشاعر غيرك باستمرار، توقفي لحظة. لا بأس بأن تقولي: "لن أتحدث عن هذا الآن". لا بأس بأن تصمتي، بأن تغيّري الموضوع، أو أن تختاري راحتك.
دقائق معدودة بعد اجتماع، أو نزهة قصيرة بلا هاتف، أو أمسية مع شخص لا يطلب منكِ أن تكوني شيئًا، كلها لحظات تعيد التوازن دون أن تقطعي علاقاتك.
الإرهاق العاطفي لا يأتي فقط من "أشخاص سامّين" أو مواقف درامية. أحيانًا، يأتينا من التفاصيل الصغيرة التي نتجاهلها: تصنّعنا المستمر، صمتنا الطويل، رغبتنا في أن نكون دائمًا لطيفين، متاحين، مثاليين.
والخبر السار؟ لستِ بحاجة لتغيير حياتك بالكامل كي تشعري بتحسّن. الوعي، والحدود، والتواصل الحقيقي، كفيلة بأن تعيد إليكِ طاقتك تدريجيًا.