header-banner
تطوير الذات

الظل المخفي وراء ردود فعلنا العاطفية

تطوير الذات
إيمان بونقطة
24 يونيو 2025,9:00 ص

في علاقاتنا مع من نحب، نظن أحيانا أننا نتصرف بعقلانية، وأن كلماتنا واضحة، ونوايانا طيبة، وأن الطرف الآخر لا بد أن يفهمنا كما نقصد تماما. لكن ما لا نراه؛ أو بالأحرى ما لا نحب أن نراه، هو أن كثيرا مما يحدث في تفاعلاتنا اليومية مع الشريك أو الأبناء أو الوالدين لا تحكمه الكلمات، بل تحكمه ظلال خفية من المشاعر والتصورات اللاواعية.

نحمل في أعماقنا أحكاما قد لا ننتبه لوجودها، لكنها تؤثر في طريقة نظرتنا للآخر، وفي نبرة صوتنا، وتعابير وجوهنا، وحتى في نوايانا حين نطلب شيئًا ما. وقد نعتقد أننا نطلب تغييرا صغيرا أو نُعبّر عن احتياج، بينما نحن في الحقيقة نحاكم الطرف الآخر دون وعي، أو نحاول معاقبته شعوريا عبر إشعاره بالذنب أو التقصير.

هكذا، تتحوّل التفاعلات البسيطة إلى مواجهات غير مباشرة، ويتفاقم الإحباط وسوء الفهم، لا لأننا لا نحب من أمامنا، بل لأننا لا ننتبه لتلك "الظلال" التي تتحكم بتصرفاتنا دون إذن منا. إنها ظلال الأحكام الضمنية، والأهداف الخفية، والمشاعر التي لا نملك شجاعة مواجهتها.

ما الذي يحدث في العمق؟

de4324b8-ac6c-435c-bbfd-fda3c3fcc992

يتكون كل تفاعل بين شخصين من أربع طبقات:

  • أحكام ضمنية: تصورات لا واعية نكوّنها عن الطرف الآخر.
  • أهداف سلوكية ضمنية: نوايا غير معلنة تحرك سلوكنا.
  • نية واعية: ما نعتقد أننا نحاول فعله.
  • النتائج: الأثر الفعلي الذي يشعر به الطرف الآخر.

الطبقتان الأولى والثانية هما الأخطر، لأننا لا نكون على وعي بهما، ومع ذلك فهما من تتحكمان في نبرة الصوت، وتعابير الوجه، ولغة الجسد، وأكثر من ذلك.

حين تحكم الظلال

تخيل أن هناك حكما ضمنيا في داخلك يقول إن شريكك "أناني" أو "مسيطر". حتى لو تحدثت معه بنبرة هادئة وكلمات مهذبة، فإن جسدك وتعبيراتك ونبرة صوتك ستنقل الرفض أو الغضب.

والمشكلة أن الطرف الآخر لن يتفاعل مع كلماتك، بل مع هذا الانطباع غير اللفظي، فيشعر بالإهانة أو الهجوم، ويبدأ في الدفاع عن نفسه.

وهكذا، تتحول نية بسيطة؛ كطلب تغيير سلوك، إلى هجوم ضمني يشعر الآخر بالحاجة إلى مقاومته، وتبدأ الحلقة المغلقة: "أنت حساس!"، "أنت عديم الإحساس!"، ودوامة من سوء الفهم.

أخبار ذات صلة

6 طرق فعّالة لحل سوء الفهم مع شريكك

من أين تنبع هذه الأحكام؟

هذه الأحكام الضمنية لا تكون دقيقة أبدا، بل تنبع من:

في كثير من الأحيان، ما يبدو كطلب بسيط في ظاهره، يكون في جوهره محاولة غير واعية لمعاقبة الطرف الآخر عبر إثارة شعوره بالذنب أو القلق أو العار.

كيف نخرج من هذه الدوامة؟

  • راقب إشارات التوتر في داخلك: الانزعاج، التوتر، الغضب، الضيق... كلها إشارات على أن حكما ضمنيا بدأ بالظهور.
  • تساءل بصدق: هل شريكي فعلاً أناني؟ أم أنه مشغول، قلق، أو مرهق؟
  • أعد تقييم نواياك: هل أنا أطلب تغييرًا؟ أم أُعاقب بشكل مقنّع؟
  • ركّز على الأثر، لا على النية: حتى إن لم تقصد الإساءة، فلو تسببت بنفور أو ألم، اعتذر عن الأثر بصراحة، دون تبرير نيتك.

الحب كمرآة للذات

داخل الأسرة، نكتشف قيمتنا الذاتية و"محبوبيتنا" من خلال طريقة تفاعل الآخرين معنا. ولذلك، فإن أبسط خلاف قد يوقظ فينا إحساسا عميقا بعدم الاستحقاق أو الرفض، خاصة إذا لم نكن على وعي بأحكامنا اللاواعية.


لتحسين علاقاتنا، لا يكفي أن "نتواصل بشكل جيد" أو نستخدم عبارات لبقة. بل يجب أن نبدأ من الداخل: أن نكشف أحكامنا وأهدافنا الخفية، ونرصد متى نتفاعل بدافع جرح قديم لا علاقة له بالطرف الآخر. من هنا فقط تبدأ العلاقات بالتحرر من الظلال، ويظهر الحب في صورته النقية والواضحة.

أخبار ذات صلة

بين التعلق العاطفي والحب الحقيقي يضيع معظم الناس

 

footer-banner
foochia-logo