يميل الأشخاص المنضبطون بطبعهم إلى تصور أنفسهم أقرب ما يكون إلى "الأفضلية البشرية" في الإنتاجية الزائدة والانضباط الذاتي والالتزام بالعادات.
وفي حين أن هذه الصفات ترتبط فعلاً بالنجاح على المدى الطويل، فإنها ليست محصنة من الفشل.
بل في كثير من الأحيان، يكون الانضباط الزائد هو الحفرة التي يقع فيها أصحابه دون أن يشعروا.
من خلال ملاحظات مستندة إلى علم النفس السلوكي والتجارب الشخصية، تستعرض د. أليس بويس "الكاتبة المتخصصة في تبسيط مفاهيم العلاج السلوكي المعرفي" ثلاث عثرات ذهنية وسلوكية يقع فيها الأشخاص الأكثر انضباطاً، وتكشف كيف يمكنهم تعديل نهجهم من خلال مزيج من الصرامة والمرونة.
يضع الكثير من الأشخاص المنضبطين لأنفسهم معايير عالية ودقيقة للنجاح اليومي، كأن يكون النجاح مقرونًا بنتيجة رقمية محددة أو إنجاز ملموس فقط. لكن هذه الطريقة في القياس قد تضر أكثر مما تنفع.
النجاح لا يجب أن يكون دائمًا تصاعديًا أو كميًا. فالبائع لن يتمكن من كسر رقمه القياسي يوميًا، والكاتب لن يُنتج مقالة تفوق سابقتها في كل مرة. في المقابل، يمكن لكل شخص أن يحسن جانبًا بسيطًا من أدائه يومًا بعد يوم، سواء كان في تحسين الصياغة، الصبر، أو القدرة على التركيز.
التغيير المستمر قد لا يُقاس بالأرقام فقط، بل أحيانًا بتفصيل صغير يعكس نضجًا أو وعيًا أكبر في الأداء.
يقع المنضبطون أحيانًا في فخ "سلسلة العادة التي لا تنكسر". فبعد الالتزام لفترة طويلة بروتين رياضي أو ذهني، يتولد لديهم شعور بأنهم قادرون على الاستمرار بالإيقاع نفسه إلى الأبد.
لكن الحقيقة الفيزيولوجية والنفسية تقول العكس. فكما يحتاج العداءون إلى مرحلة استشفاء بعد الماراثون، يحتاج العقل والجسد إلى فترات "استراحة منظمة" حتى تستمر العادة لفترة طويلة دون إنهاك.
غياب فترات الراحة قد يؤدي إلى الإرهاق، والاحتراق الذهني، ثم الانقطاع الكامل عن السلوك الذي كان يومًا محفّزًا.
المرونة هنا ليست ضعفًا، بل استراتيجية بقاء.
يميل الشخص المنضبط إلى القيام بالمهام بدافع مركّز، كمن يمارس الرياضة فقط لحرق السعرات أو الكتابة فقط لتحقيق إنجاز معين. المشكلة هنا ليست في الهدف، بل في ضيقه.
كلما تنوعت دوافعنا خلف السلوك، زادت قدرتنا على الالتزام به، وتقلّصت فرص الفتور أو الانقطاع. فممارسة الرياضة مثلًا يمكن أن تكون لتحسين المزاج، والاستمتاع بالموسيقى، والانعزال المؤقت عن الضوضاء، لا فقط لإنقاص الوزن.
التنوع في الأسباب يجعل من العادة مساحة مرنة، قابلة للتكيّف مع المتغيرات والمزاج، لا عبئًا إضافيًا.
الانضباط الشخصي قيمة عظيمة، لكنه قد يتحول إلى عبء إذا لم يُخفف بمرونة ذكية.
فإذا كنت من الأشخاص الذين ينجذبون للتركيز والالتزام، فقد تكون عرضة للوقوع في أحد هذه الأخطاء الثلاثة.
والحل لا يكمن في التراخي، بل في إعادة ضبط المقاييس الذهنية:
هكذا فقط، يمكنك الحفاظ على سلوكك الإيجابي بطريقة مستدامة وممتعة.