تتكرر عبارة "أريد أن أطوّر نفسي" كثيرًا، لا سيما في اللحظات التي نشعر فيها بالإرهاق أو عدم الرضا أو الحيرة حول مسار حياتنا. لكن ما الذي تعنيه هذه العبارة فعليًا؟ وهل يكفي أن ننطق بها لنبدأ رحلة التحسن؟
في مقالها المنشور على موقع Psychology Today، توضح المعالجة النفسية ليا مارون (Leah Marone, LCSW) أن "العمل على الذات" ليس شعارًا غامضًا، بل علاقة واعية وعميقة مع النفس، تحتاج إلى صدق، والتزام، وممارسة يومية.
غالبًا ما ينبع هذا القرار من شعور داخلي بأن هناك ما لا يسير على ما يرام. قد يكون احتراقًا نفسيًا، أو شعورًا بانفصال عن الذات، أو ببساطة إدراكًا بأننا لا نعيش كأفضل نسخة من أنفسنا.
وهنا لا تكون الحلول المؤقتة كالإجازات أو قراءة كتب التنمية كافية، ما لم تصاحبها رغبة صادقة في التغيير من الداخل.
تخيّل الأمر كأنك تعمّق علاقتك بشخص تحبه. تمامًا كما نطوّر علاقتنا بشخص مقرّب من خلال الوقت والصدق والتفاهم، يحتاج الأمر مع الذات إلى نفس النوع من الالتزام: وقت للتأمل، وصدق في المراجعة، ووضوح في الأهداف. لن تنجح محاولات النمو إن لم تكن حاضرة بصدق ومن دون أحكام قاسية.
ما الذي يزعجك مؤخرًا؟ ما هي المشاعر التي تطفو على السطح عندما تكون بمفردك؟ هل تشعر بالتشتت؟ أو الانفصال؟
خصص لحظات بسيطة من يومك؛ حتى في أثناء غسل يديك أو انتظار المصعد، لتسأل نفسك: كيف أشعر الآن؟ ولا تتسرّع في الحكم، فقط راقب وتعلّم.
غالبًا ما نربط الحدود بالآخرين، لكن الحقيقة أن وضع حدود ذاتية أمر أساسي.
ابدأ بخطوة بسيطة: قلل وقت تصفّح الهاتف قبل النوم، أو خصص دقيقتين صباحًا للتنفس قبل الاطلاع على الرسائل.
الفكرة ليست في التقشف، بل في تكريم وقتك وطاقتك، واستعادتهما لخدمتك.
اليقظة الذهنية لا تعني الجلوس لساعات في التأمل، بل تبدأ في اللحظات الصغيرة: في أثناء غسل الصحون، أو المشي، أو حتى عند التوقف في إشارة المرور.
هذه اللحظات تبني في داخلك مساحة هادئة، وتحفّز استجابتك الواعية بدلًا من ردود الفعل التلقائية.
كيف تتحدث مع نفسك عندما ترتكب خطأ؟ هل تستخدم كلمات قاسية أو جمل محبطة؟
عند ملاحظة التفكير السلبي، توقف واسأل نفسك: هل كنت سأقول هذا لشخص أحبه؟
غيّر النبرة الداخلية إلى لغة رقيقة ومتزنة، تمنحك مساحة للنمو لا للهجوم.
ليست العناية الذاتية ترفًا أو جلسة سبا فاخرة، بل هي استجابة واعية لاحتياجاتك الجسدية والنفسية.
قد تكون العناية الذاتية ببساطة: مكالمة مع صديق، أو مشي لمسافة قصيرة، أو كتابة صفحة من يومياتك.
الأهم أن تختار ما يناسبك في تلك اللحظة، من دون ضغط أو مثالية.
"العمل على النفس" لا يعني العزلة. تحتاج أحيانًا لمن يسمعك، أو يرشدك، أو يذكّرك بمن تكون.
سواء من خلال معالج نفسي، أم مدرّب، أم صديق، لا تتردّد في طلب المساندة.
لكن تذكّر: لا أحد يستطيع مساعدتك من دون أن تعبر بوضوح عما تحتاجه.
العمل على الذات ليس مشروعًا له نهاية، بل علاقة مستمرة بينك وبين نفسك.
ستمرّ بأيام جيدة وأخرى محبطة، ستبدأ من جديد أكثر من مرة، لكن النجاح الحقيقي يكمن في العودة إلى ذاتك مرارًا وبإخلاص.
فالعلاقة التي تبنيها مع نفسك هي الأساس لكل علاقة أخرى في حياتك، فامنحها ما تستحق من وقت ورعاية وصدق.