في الكثير من العائلات، يبدو المزاح وكأنه وسيلة للتقارب والتسلية، بل يُنظر إليه أحياناً كعلامة على الألفة والمحبة.
لكن هذا الأسلوب قد يحمل في طياته ما هو أكثر من مجرد ضحكات عابرة؛ إذ يمكن أن يتحوّل مع الوقت إلى مصدر للألم النفسي، خاصة إذا لم يراعِ مشاعر الآخرين وحدودهم الشخصية.
لكل عائلة طريقتها الخاصة في التواصل، تتشكل من خلال الديناميكيات الداخلية مثل الهرمية وحدود الخصوصية وروح الدعابة.
لكن هذه "الثقافة العائلية" قد لا تكون متوازنة أو آمنة لجميع الأفراد، إذ يتفاعل كل فرد معها بشكل مختلف تبعاً لحساسيته، شخصيته، وتجربته العاطفية.
تشير الدراسات إلى أن المزاح المرتبط بالمظهر أو الوزن، على سبيل المثال، منتشر بشدة داخل البيوت. فقد أظهرت أبحاث أن نصف الفتيات ذوات الوزن الزائد، وثلث الذكور من نفس الفئة، يتعرضون لتعليقات جارحة من أفراد أسرهم.
هذا النوع من المزاح قد لا يتوقف عند لحظة الإحراج، بل قد يؤدي إلى مشاكل طويلة الأمد مثل اضطرابات الثقة بالنفس، الشعور بالوحدة، القلق، وربما الاكتئاب.
تحديد الفارق بين المزاح المقبول والمسيء لا يتوقف فقط على النية، بل يعتمد على عدة عوامل، منها:
هل تتناول أموراً حساسة مثل الوزن، الأداء الأكاديمي، أو الصحة النفسية؟
هل يظهر عليه الضيق أو يطلب التوقف؟ هل يتم الاستماع إليه بجدية؟
هل يتعرض جميع أفراد العائلة للمزاح بنفس الدرجة، أم أن هناك استهدافاً لشخص بعينه؟
هل قيلت المزحة في وقت مناسب؟ هل كانت علناً أم في خصوصية؟
وإن كان الطفل هو الطرف المتلقي، فإن خطورة المزاح المؤذي تتضاعف.
فالأطفال قد يعتادون على نمط تواصل عدواني ويعيدون تكراره مع أصدقائهم، مما قد يُترجم إلى سلوكيات تنمرية.
إليك إشارات هامة من شأنها مساعدتك على التفريق بين المزاح المقبول، والمزاح الذي يترك ندوبا نفسية أعمق من مجرد خلق جو والضحك للحظات.
إذا لاحظت انزعاجاً، تجاهلاً، أو دموعاً، فتوقف فوراً. هذه إشارات واضحة على أن المزاح ليس مقبولاً.
لا تمزح في قضايا مثل الوزن، الشكل، الأداء الدراسي أو النفسي، أو أي تحديات يعاني منها أحد أفراد الأسرة.
إذا لم تكن ستقول شيئاً مماثلاً لصديق، فلا تقله لأخيك أو ابنك.
لا تمزح مع شخص مرهق أو غاضب أو أمام الآخرين بما قد يحرجه.
السخرية من القلق أو الاكتئاب قد تزيد الشعور بالعزلة.
تجنب المقارنة أو الانحياز لطفل على حساب الآخر.
وضع قواعد واضحة داخل المنزل والتزام الجميع بها.
عندما يحدث تجاوز، ناقش السلوك وليس شخصية الفرد.
قل لهم إنك لن تستمع إليهم إذا استخدموا الإهانات أو السخرية.
لا تنتظر أن تتفاقم المشكلة. تصرف فوراً لتطبيق قواعد الاحترام.
راقب إذا كان الطرفان قادرين على تهدئة الوضع والتفاهم من دون تدخل مباشر.
تحدثوا عن التحديات الشخصية واطلبوا الدعم بدلاً من السخرية.
المزاح داخل العائلة قد يكون رابطاً جميلاً، لكنه يصبح عبئاً حين يتجاوز حدوده. ليس كل ما يضحكنا بريئاً، فالكلمات تُخزن في الذاكرة وتؤثر في النفس. ولأن العائلة هي البيئة الأولى التي يتشكل فيها الإحساس بالذات، فإن توفير بيئة آمنة، محترمة وخالية من التنمر اللفظي هو مسؤولية جماعية تبدأ من الوعي وتنتهي بالنية الصادقة للتغيير.