في لحظات الغضب أو الإحباط، قد تقول الأم لنفسها: "لماذا صرختُ هكذا على طفلي الصغير؟" أو "هل فعلاً كنت بحاجة إلى هذا الكم من القلق لمجرد أن ابنتي حصلت على علامة متوسطة؟".
مشاعر الندم بعد الانفعال ليست دليلاً على الفشل، بل قد تكون دليلاً على وجود شيء أعمق لم يُفهم بعد.
الكاتبة والمتخصصة النفسية روبن كوسلوفيتز تشير في كتابها "الأمومة بعد الصدمة" إلى كلمة واحدة يمكنها أن تغيّر الطريقة التي ننظر بها إلى ردود أفعالنا في التربية: "مبالغ بها".
طفلكِ ذو الأربع سنوات يسكب المعكرونة على الأرض مجددا، بعد أن نظّفتِ للتو الأرضية وطلبتِ منه عدة مرات التوقف. في لحظة تفقدين أعصابكِ، تصرخين، ثم تشعرين بالخجل. أو ربما تتوترين بشدة؛ لأن ابنك المراهق حصل على علامة سيئة، فتبدئين بسيناريوهات سوداء عن مستقبله الأكاديمي والمهني، في حين أنه يتعامل مع الأمر باستهتار.
هنا لا تكمن المشكلة في الطفل نفسه، بل في طريقة تفسير دماغكِ لسلوك طفلك. وعادةً، هذا التفسير لا يأتي من اللحظة الراهنة، بل من تجربة سابقة، محفورة في الذاكرة، غالبا في مرحلة الطفولة.
تصف كوسلوفيتز هذه الحالة الذهنية بـ"تطبيق الصدمة" أو Trauma App، وهو برنامج نفسي يعمل في الخلفية، وظيفته الأساسية كانت حمايتكِ عندما كنتِ صغيرة، في بيئة مضطربة أو مليئة بالتوتر أو الإهمال أو القسوة. هذا التطبيق يجعلكِ تتأهبين للخطر، حتى حين لا يكون هناك خطر حقيقي.
فحين يستهزئ طفلكِ أو يرفع صوته، لا يراكِ دماغكِ تتعاملين مع طفل، بل مع تهديد مألوف من الماضي. ولهذا تكون ردة فعلك غير منطقية في نظر من حولك، لكنها مفهومة تماماً في نظر جهازك العصبي.
في كل هذه الحالات، تكون ردة الفعل غير متناسبة مع السلوك. وهذا هو المفتاح: المبالغة ليست جريمة، بل إشارة.
حين تصرخين بسبب معكرونة على الأرض، أو تشعرين بأن طفلك "يسيطر" عليكِ، لا يعني هذا أنكِ أم سيئة. يعني فقط أن الماضي يحاول أن يوجّه الحاضر. وهذا أمر يمكن التعامل معه.
فبدلاً من الغرق في جلد الذات، تقترح كوسلوفيتز خطوات عملية:
في النهاية، لا تتعاملي مع المبالغة على أنها دليل إدانة، بل كنداء للاستماع لما لم يُشفَ بعد. كلمة واحدة – المبالغة – يمكن أن تعيدكِ إلى وعيك، وتمنحكِ فرصة لاستعادة تربيتكِ من براثن التجارب القديمة.
لا تخافي من هذه اللحظات. لا تعاقبي نفسكِ. بل خذي نفسا عميقا، وانظري إليها كفرصة جديدة… لأن الماضي يجب ألّا يربي الحاضر، وأنتِ الآن قادرة على كتابة قصة جديدة في الأمومة، أكثر وعيا، وأكثر حبا، لكِ ولطفلكِ.