قد يبدو غريبًا أن ينكر طفل صغير فعلًا قام به أمام أعين والديه، ويصرّ على روايته وكأنها الحقيقة. مشهد يتكرر كثيرًا: طفل يتخطى دوره في اللعب، أو يأخذ لعبة من شقيقته، ثم ينفي الأمر بكل ثقة، فيثير ذلك ارتباك الأهل وتساؤلاتهم "ما إذا كان هذا السلوك علامة مقلقة تستدعي الخوف من المستقبل؟".
لكن علم النفس يؤكد أن هذه المواقف ليست دليلًا على شخصية مضطربة، بل انعكاس طبيعي لمرحلة نمو يختبر فيها الطفل مشاعره وحدود قدرته على مواجهة العواقب.
في هذه السن، يحاول الطفل أن يحمي نفسه من الشعور بالذنب أو العقاب بوسائل بدائية، من بينها الكذب أو الإنكار.
وقد تناولت الخبيرة الأميركية كلير ليرنر (Claire Lerner) هذا الموضوع في مقالها المنشور على Psychology Today، مؤكدة أن الكذب في سن الخامسة لا يعني وجود خلل أخلاقي، بل هو سلوك يمكن توجيهه بالصبر والوعي.
يرى علماء النفس أن الكذب لدى الأطفال الصغار ليس انعكاسًا لخلل أخلاقي أو سوء تربية، بل هو محاولة بدائية للتعامل مع المشاعر أو تجنّب العقاب. في سن الخامسة، يكون وعي الطفل الأخلاقي مبنيًا بالأساس على العواقب الخارجية، مثل رضا الوالدين أو الهروب من العقوبة، وليس على قناعة داخلية عميقة بالصواب والخطأ. لذا يكذب الطفل ليتفادى الإحراج أو لحماية نفسه من المشاعر الصعبة، مثل: الشعور بالذنب أو الخوف.
تشير ليرنر إلى أن وصف الطفل بعبارة "كاذب" لا يساعد مطلقًا، بل يرسّخ لديه شعورًا بالعار قد يدفعه لمزيد من الإنكار أو التمادي في السلوك غير الصحيح. فالطفل في تلك المرحلة يعلم القواعد غالبًا، لكنه يواجه صعوبة في الالتزام بها حين تتغلب رغباته أو اندفاعه اللحظي.
الخطوة الأهم عند مواجهة الطفل ليست إجباره على الاعتراف؛ لأن ذلك يضعه في زاوية ضيقة تجعله يلجأ للكذب أكثر. بل المطلوب هو التركيز على السلوك وتوجيهه بهدوء. على سبيل المثال:
بهذا الشكل، يتحول الموقف من صراع حول الصدق والكذب إلى تعليم مباشر للحدود، مع احترام مشاعر الطفل وإشراكه في الحل.
الكذب في عمر الخامسة لا يعني أن الطفل يسير في طريق مظلم أو أن لديه مشكلة أخلاقية، بل هو جزء من مراحل النمو التي يختبر فيها مشاعره وحدود قدرته على ضبط النفس.
دور الوالدين هنا أن يكونا الموجّه الهادئ الذي يضع القواعد بوضوح ويمنح الطفل في الوقت ذاته مساحة للشعور بالأمان. وكما تقول ليرنر: "الحد ذاته هو الدرس"، أي أن ما يعلّمه الوالد لطفله من خلال التصرف الحازم والهادئ أهم بكثير من أي كلمات قد تُقال.