نقول إننا نبحث عن الحب، نشتاق إلى من يحتوينا، نصغي لعبارات الدفء وكأنها وعد بالخلاص من وحدة الداخل، لكننا حين نقابله وجهًا لوجه؛ صادقًا، حقيقيًا، بلا أقنعة، نتراجع، نخاف.
نغلق الباب ببطء وربما بهدوء شديد يشبه الإنكار. لماذا نُعرض عن أكثر ما نتوق إليه؟
هذه المفارقة العاطفية ليست نادرة. كثيرون يعيشونها من دون أن يدركوا أنها آلية دفاع نفسي، جذورها أعمق بكثير من لحظة التردد أو البرود العاطفي.
حين يُعرض علينا حب صادق، فإن جزءًا بداخلنا يتهدد. ليس لأن الحب في حد ذاته مخيف، بل لأن صورته الحقيقية تختلف عمّا رسمناه في خيالنا. الحب الحقيقي يتطلب انكشافًا، يتطلب أن نكون حقيقيين بدورنا، من دون تزيين، من دون أقنعة. وهذا في حد ذاته مرعب لمن اعتاد الحذر، أو تربى على أن الحب يأتي مشروطًا.
في كثير من الأحيان، تكمن جذور رفض الحب في تجارب الطفولة أو العلاقات السابقة. إذا ارتبط الحب في الذاكرة بالخسارة أو الوجع أو التلاعب، فإن العقل الباطن يربط تلقائيًا بين القرب العاطفي والخطر. فنصبح في حالة تأهب دائم، نضع الحواجز رغم رغبتنا في القرب، ونستبق الانسحاب قبل أن يحدثه الآخر.
واحدة من أعمق أسباب رفض الحب هي الشعور بعدم الاستحقاق. حين لا نؤمن بقيمتنا في العمق، يصعب علينا تصديق أن أحدًا يمكن أن يحبنا بحق. وقد نُفسّر اهتمام الآخر على أنه بدافع الشفقة، أو ننتظر خيانته المؤكدة، أو نختبره بلا وعي مرارًا حتى يُثبت مخاوفنا.
أحيانًا تكون الوحدة مألوفة أكثر من المشاركة. تعوّد البعض على الاكتفاء الذاتي إلى حد جعل الحب يبدو كتهديد لهذا التوازن. يخشون التعلّق، الفقد، التغيّر. فيفضّلون بقاء القلب "مؤمّنًا" حتى وإن كان فارغًا.
الخطوة الأولى لفهم هذا التناقض المؤلم هي التوقف عن لوم الذات أو اتهامها بالبرود أو الفشل العاطفي. ما يحدث غالبًا ليس رفضًا للحب، بل استجابة لخوف أعمق. فقط حين نبدأ بشفاء صورنا القديمة عن الحب، وحين نُعيد بناء علاقتنا بأنفسنا، نستطيع استقبال الحب من دون أن نرتجف من دفئه.
الرغبة في الحب طبيعية، بل فطرية. لكن الطريق إليه يمر أولًا عبر المصالحة مع الداخل. عبر رؤية الجراح لا كدليل ضعف، بل كبوابة للتعاطف. فالحب لا يأتي ليكملنا، بل ليشاركنا من نكون حين نختار الشجاعة على الخوف، والانفتاح على الانغلاق.