في لحظات الانهيار أو الحزن أو التوتر، يجد بعض الأشخاص أنفسهم فجأة يمسكون المكنسة، يرتبون الخزائن، أو يعيدون تنظيف المطبخ الذي لُمّع مرارا.
قد يبدو الأمر عادياً أو حتى منتجًا، لكنه يخفي في العمق ما هو أعمق من مجرد "حب النظافة". إنه هروب ناعم، مقبول اجتماعيا، من مواجهة مشاعر لا نريد الاعتراف بها.
وغالباً ما تكون هذه الأفعال محاولة غير واعية لخلق شعور سريع بالسيطرة وسط فوضى داخلية لا نستطيع تنظيمها.
فبينما يعجز الإنسان عن التحكم في الألم العاطفي أو القلق العميق، يوجّه طاقته نحو مهمة ملموسة، واضحة البداية والنهاية، مثل تنظيف غرفة أو ترتيب رفوف.
هي طريقة لتفريغ المشاعر دون لمسها، ولإشغال الجسد كي لا يصغي القلب إلى ما يؤلمه فعلاً.
حين تضيق بنا المشاعر، نبحث لا شعوريا عن وسيلة تتيح لنا السيطرة على شيء ما. وهنا، يظهر التنظيف كفعل بسيط، لكنه يمنح شعورا بالتحكم.
فبينما تعجز الكلمات عن التعبير، وتبقى الأحاسيس عالقة في الداخل، يأتي التنظيف كوسيلة "عملية" لتنظيم العالم الخارجي، في محاولة غير واعية لتطويع الفوضى الداخلية.
الانشغال المفرط بالأعمال المنزلية قد يبدو فعلا إيجابيا؛ فهو ينتج بيئة نظيفة ومريحة. لكن عندما يصبح سلوكا متكررا في كل مرة يشعر فيها الشخص بالحزن أو القلق أو الخوف، يتحول إلى آلية دفاعية.
ما يحدث هنا هو استبدال الشعور بالفعل، حتى لا يضطر الشخص لمواجهة ما يؤلمه فعلاً.
قد تقول إحداهن: "كلما حزنتُ، رتّبتُ ملابس أطفالي بدقة." وقد لا تدري أنها لا ترتب الخزانة، بل تحاول ترتيب حزنها الصامت.
الهروب من المشاعر ليس دليلاً على الضعف، بل على خوف متراكم من الغرق فيها. البعض يخشى أن يمنح الحزن أو الغضب أو الخوف مساحة، فتجرفه.
والبعض تربّى على فكرة أن الانشغال مفيد، وأن التوقف لمجرد الشعور هو نوع من الكسل أو الترف. لكن الحقيقة أن دفن المشاعر لا يُنهيها، بل يُخزنها. وكل ما نكنسه إلى الداخل يبقى هناك، في انتظار لحظة الانفجار.
ليس كل تنظيف هو هروب. أحيانًا، يكون ترتيب المكان وسيلة تهدئة وتنظيم ذهني. الفرق يكمن في النية والشعور.
إذا كنت تنظف لأنك تريد أن تعتني بمحيطك، فهذا فعل رعاية. أما إذا كنت تنظف مرارا لتتجنب الجلوس مع نفسك، أو لتكبت دمعة أو تنهيدة، فربما حان الوقت للتوقف قليلاً وسؤال الذات:
ماذا أحاول ألا أشعر به؟
أن نسمح لأنفسنا بالشعور دون حكم. أن نمنح لحزننا وقتا كما نمنح المطبخ وقتا. أن نكتب، أو نتحدث، أو نصمت مع وعي. ليس المطلوب أن نغرق في المشاعر، بل أن نعترف بها. فالفوضى الداخلية لا تُرتّب بالماء والصابون، بل بالإصغاء.
الهروب بالتنظيف لا يُلام عليه أحد، لكنه يستحق التوقف عنده؛ لأن تنظيف البيت قد يكون أسهل من تنظيف القلب، لكن الأول لا يغني عن الثاني.
وبينما ترتّب أشياءك في مكانها، اسأل نفسك: هل تركتَ شعورك بلا مكان؟ وهل آن له أن يُفتح ويُواجه، لا أن يُمسح ويُخبّأ؟