في كثير من الأحيان، نختبئ خلف كلمات بسيطة مثل "أنا بخير" أو "كل شيء سيكون على ما يرام"، ليس لأننا نصدقها فعلًا، بل لأن قولها أسهل من مواجهة الحقيقة.
نُقنع أنفسنا بأن هذه العبارات تريحنا، لكنها في الواقع تُبقي الألم بعيدا عن السطح مؤقتا، بينما يتراكم في الداخل.
ليست هذه الأكاذيب بالضرورة خبيثة. إنها أشبه بـ "غلاف فقاعي" عاطفي نلجأ إليه كي نتحمّل وطأة الواقع. لكن مع مرور الوقت، قد تتحول إلى سلاسل تُقيّد وعينا، وتمنعنا من التفاعل الحقيقي مع ما نعيشه.
ما أكثر الأكاذيب التي نُخبر بها أنفسنا؟ وماذا يحدث عندما نتحلّى بالشجاعة لقول الحقيقة، ولو مرة واحدة؟
عبارة نردّدها حين ينهار روتيننا، أو نشهد تحوّلات تزلزل استقرارنا. لكنها تحمل وعدا خفيا بالعودة إلى الوراء، إلى "المألوف" الذي لم يعد موجودا.
في الواقع، فإن التمسّك بالماضي قد يعيق قدرتنا على التكيّف، ويمنعنا من تخيّل واقع أفضل. فبدلا من الانتظار السلبي، يمكننا أن نسأل أنفسنا:
العودة إلى ما كان قد لا تكون ممكنة، لكن خلق "طبيعة جديدة" ممكن دوما، وأكثر شجاعة.
واحدة من أكثر العبارات تداولًا، والأقل صدقًا.
القول إننا "بخير" لا يعني بالضرورة أننا كذلك، بل غالبا ما نخفي خلفها تعبا، قلقا، أو حتى انكسارا لا نملك طاقة للكلام عنه.
المشكلة لا تكمن في استخدام العبارة، بل في الإيمان بأننا يجب أن نكون بخير دائما. هذا التوق للكمال العاطفي يُنتج هشاشة داخلية، ويمنعنا من الاعتراف بمشاعرنا كما هي.
علم النفس الإيجابي يُشير إلى أن تسمية المشاعر وفهمها هو أول خطوة للتعافي. والاعتراف بأننا لسنا بخير لا يعني الفشل، بل بداية للتماسك الحقيقي.
يبدو هذا الاعتقاد واقعيا أمام القضايا الكبرى في العالم. لكن البحوث في علم السلوك الاجتماعي أثبتت أن الأفعال الفردية تمتلك تأثيرا غير منظور، يتضاعف عبر المحيط الاجتماعي.
الطفل الذي يرى والدته تعتذر، يتعلم الاعتراف بالخطأ. الشخص الذي يرفع صوته بالحق، قد يُلهم الآخرين لفعل الشيء نفسه. التغيير لا يبدأ دوما بحملات ضخمة، بل غالبا بلحظات صغيرة وقرارات هادئة.
الفرق لا يحدث لأننا نضمن النجاح، بل لأننا نملك الشجاعة للمحاولة.
يمكننا التعامل مع هذه العبارات اليومية كفرص للتأمل، لا للجلد. إليك ثلاث خطوات بسيطة للتعامل معها بوعي:
لا تهرب من الجملة، واجهها. اكتب مثلًا: "أقول إنني بخير، لكني أشعر بالإرهاق"، أو "أُردّد أن الأمور ستتحسن، لكنني خائف".
كل كذبة صغيرة تُخفي خوفا كبيرا: من الرفض، من الانكسار، من الإحساس بالضعف. التعرف على هذا الخوف يساعدنا على فهم دوافعنا، من دون إصدار أحكام.
ليس المطلوب أن نصبح صادقين مئة بالمئة دفعة واحدة. الحقيقة يمكن أن تكون بسيطة: "أنا متعب"، "أنا مرتبك"، "أنا لا أعلم ما الذي سيحدث". من هنا يبدأ التغيير.
نزع الأقنعة لا يعني أن نكون سلبيين أو أن نفقد الأمل، بل أن نرتكز على شيء أعمق من المجاملة أو الانكار. حين نعترف بما نشعر به، نفتح الباب أمام الشفاء، وأمام بناء واقع جديد لا يقوم على التظاهر.
في مواجهة العالم المرهق، الصدق مع الذات قد يكون أكثر أشكال الشجاعة قوة وهدوءا.