من الطبيعي أن يشعر بعض الأطفال بالضيق صباح كل يوم مدرسة، أو أن يترددوا قليلاً قبل مغادرة البيت إلى المدرسة.
لكن حين يتحول هذا التردد إلى رفض مستمر، يصاحبه بكاء أو نوبات غضب أو شكاوى صحية متكررة، فغالبًا ما نكون أمام ما يُعرف بـ"رفض المدرسة" – وهو سلوك يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالقلق، خاصة لدى الأطفال المصابين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD).
ففي حالات كثيرة، لا يكون رفض المدرسة نابعًا من كسل أو دلع كما قد يُعتقد، بل من قلق داخلي عميق، تغذيه تجارب سابقة صعبة، مثل صعوبة التركيز في الصف، أو الإحراج الاجتماعي، أو الفشل المتكرر في أداء الواجبات.
هذه التجارب شائعة بين أطفال ADHD، مما يجعل الذهاب إلى المدرسة مصدر تهديد بدلاً من كونه نشاطًا اعتياديًا.
حين يشعر الطفل بالقلق، فإن جسده يتفاعل تلقائيًا بإحدى ثلاث استجابات: القتال، الهروب، أو الجمود.
وغالبًا ما يختار الأطفال الهروب، فيبدؤون بتجنّب ما يثير خوفهم. مثلًا، إذا كان الطفل يخاف من الكلب في حديقة الجيران، فقد يرفض الخروج من المنزل. قد يبدو هذا التصرّف مريحًا لحظيًّا، لكنه في الحقيقة يُرسّخ فكرة أن الخوف مبرَّر، ويُعمّق القلق مع الوقت.
ينطبق هذا السيناريو أيضًا على المدرسة: كلما تجنّب الطفل الذهاب، شعر بارتياح مؤقت، لكن ذلك يعزز في ذهنه أن المدرسة مصدر تهديد، مما يصعّب عليه العودة لاحقًا.
من أنجح الأساليب في التعامل مع القلق المرتبط برفض المدرسة هو "العلاج بالتعرض"، والذي يقوم على تعريض الطفل بشكل تدريجي وآمن للمواقف التي تثير قلقه، بدلًا من تجنّبها. الهدف هو تدريب الطفل على تحمّل الشعور بعدم الارتياح إلى أن يتلاشى تدريجيًا.
يتم ذلك من خلال خطة تُعرف بـ"التسلسل الهرمي"، تنقسم إلى خطوات صغيرة جداً، ينجزها الطفل واحدة تلو الأخرى، مع دعم ومكافآت تشجيعية بعد كل خطوة.
مثال عملي لخطة علاج تدريجي:
نجاح هذه الخطة يتطلب تنسيقًا بين الأهل والمعالج والمدرسة. يُفضَّل أن يخضع الطفل لجلسات منتظمة للعلاج السلوكي المعرفي (CBT)، مع اجتماعات دورية بين الأهل والمعالج لمراجعة التقدم.
يمكن للمدرسة أن تُقدّم تسهيلات تساعد الطفل على التأقلم، مثل تخفيف الواجبات، أو تعديل مكان الجلوس، أو السماح له ببدء يومه الدراسي في مكان يشعر فيه بالأمان، كالمكتب النفسي أو غرفة الاستراحة.
وفي حال لم تُجدِ هذه التدخلات، يمكن التفكير بخيارات أخرى مثل العلاج الدوائي أو التوجّه نحو مدرسة علاجية بديلة.
إذا كان الطفل سيقضي يومه في البيت، فلا يجب أن يتحوّل ذلك إلى وقت ممتع. الهدف هو ألا يشعر الطفل بأن البقاء في المنزل أفضل من الذهاب إلى المدرسة.
يُنصح الأهل بجعل اليوم الدراسي المنزلي خاليًا من الشاشات والأنشطة المسلّية، مع التزام بمهام دراسية بسيطة وروتين ممل.
في الليلة التي تسبق العودة، يُستحسن اعتماد أنشطة مريحة مثل قراءة القصص أو اللعب الهادئ، مع تجنّب التوتر أو الجدال.
أما في الصباح، فالتعبير الهادئ عن التعاطف مهم جدًا: "أعلم أن الأمر صعب، لكني واثقة أنك قادر على تجاوزه".
استخدام هذا النوع من العبارات يساعد الطفل على تهدئة مخاوفه، ويشعره بالدعم من دون أن يُضاعف من قلقه.