عمر الخمس سنوات هو بداية الاستقلال الأول، حيث تبدأ شخصية الطفل في التبلور، ويصبح لديه آراء، وطلبات، ورفض واضح لما لا يعجبه.
كثير من الأهل يلاحظون في هذه المرحلة زيادة في "العناد"؛ ما يجعل التعامل مع الطفل مرهقًا في بعض المواقف اليومية، من ارتداء الملابس، إلى تناول الطعام أو تنفيذ التعليمات.
لكن ما يبدو عنادًا هو في الغالب تعبير عن حاجة الطفل لإثبات ذاته، واختبار حدوده وحدود من حوله. وهنا، لا يكون الرد بالمواجهة أو العقاب هو الحل، بل يتطلّب الأمر أسلوبًا واعيًا، هادئًا، ومتسقًا مع مراحل تطور الطفل.
في هذا المقال، نقدم لكِ دليلًا عمليًا للتعامل مع سلوك الطفل العنيد في عمر 5 سنوات، دون صراخ أو تهديد، وبخطوات مدروسة تعزز العلاقة بينك وبين طفلك وتساعده على النمو النفسي السليم.
في هذه المرحلة العمرية، يكون الطفل قد اكتسب مهارات لغوية وحركية واجتماعية تُمكّنه من رفض الأوامر والتعبير عن رأيه.
كما أنه يطمح لأن يكون له قرار في تفاصيل حياته اليومية، من اختيار ملابسه، إلى رفض الطعام أو رفض ترتيب ألعابه. هذا طبيعي، لكنه قد يتحوّل إلى تحدٍ يومي مرهق إذا لم يُقابل بفهم وتوجيه.
إليك خطوات عملية للتعامل مع السلوك العنيد بهدوء:
قد يكون سبب العناد هو التعب، أو الجوع، أو الرغبة في لفت الانتباه. قبل أن تردّي على سلوكه، حاولي فهم ما وراءه. أحيانًا مجرد حضن دافئ أو لحظة اهتمام كافية لتخفيف حدة التوتر.
القواعد مهمة، لكنها لا تحتاج إلى نبرة قاسية. استخدمي عبارات حازمة ولطيفة في الوقت ذاته، مثل: "نحن لا نضرب، إذا كنت غاضبًا قل لي"، بدلًا من: "إذا ضربت مرة أخرى ستُعاقب".
بدلًا من إعطائه أمرًا مباشرًا، قدّمي له خيارين: "هل تفضّل أن ترتب ألعابك الآن أو بعد العشاء؟". هذا يمنحه شعورًا بالسيطرة ويقلل من ميله للمقاومة.
حين يخطئ طفلك، لا تصرخي. الرد بعصبية يعزز عنده فكرة أن الانفعال هو طريقة التعبير عن الذات. استخدمي صوتًا منخفضًا وواضحًا، وأظهرِي له أنك هادئة ومتحكمة.
بدلًا من العقاب، دعيه يختبر نتيجة اختياره. مثلًا، إذا رفض ارتداء سترته في يوم بارد، دعيه يشعر بالبرد قليلًا ثم أعرضي عليه السترة. التجربة ستكون درسًا أقوى من أي توبيخ.
كلما أظهر سلوكًا إيجابيًا – حتى لو بسيطًا – أثني عليه مباشرة: "أعجبني كيف رتبت سريرك اليوم"، فهذا يعزز رغبته في تكرار السلوك.
العناد أحيانًا يكون وسيلة الطفل للقول: "أحتاجك". امنحيه وقتًا نوعيًا يشعر فيه أنه محبوب ومُقدّر، بعيدًا عن التعليمات والتوجيهات.
قولك له: "أنت دائمًا عنيد" أو "لماذا لا تكون مثل أخيك؟" يرسّخ في ذهنه صورة سلبية عن نفسه. استبدلي ذلك بتشجيع فردي يُركّز على ما يستطيع تحسينه.
بعد أن يهدأ الموقف، اجلسي معه وناقشي ما حدث. اسأليه عن شعوره، واشرحي له كيف كان يمكن أن يتصرّف بطريقة أفضل، بلغة يفهمها وبأسلوب مليء بالتقدير لا بالتوبيخ.
الطفل العنيد لا يحتاج إلى الصراخ أو العقاب، بل إلى من يحتوي عناده بذكاء عاطفي، ويحوّله إلى طاقة إيجابية تُنمي شخصيته وتُقوّي علاقته بأهله. تعديل السلوك ليس مهمة يوم أو أسبوع، بل هو رحلة تربوية تحتاج إلى نفس طويل، وقلب مُحب، وأسلوب هادئ يُشعر الطفل بالأمان في كل مرة يخطئ فيها.