في عالم تتصدر فيه الجوائز والشهادات واجهات مواقع التواصل، وتُقاس فيه قيمة الطفل بما يحققه لا بما يشعر به، يقع كثير من الآباء في فخ لا ينتبهون إليه: وهْم الإنجاز.
لا عن قصد، بل بدافع الحب، يدفعون أبناءهم نحو النجاح الأكاديمي أو الرياضي، معتقدين أنهم بذلك يضمنون مستقبلهم.
لكن، ماذا لو كان هذا الضغط هو السبب الأول في قلقهم، تشتتهم، وحتى اكتئابهم؟
غالبًا ما تبدأ التوقعات مبكرًا، منذ اللحظة التي تُحس فيها الأم بحركة جنينها، فتتخيله رياضيًّا بارعًا أو فنانًا موهوبًا.
وما إن يدخل الطفل المدرسة، حتى تبدأ دوامة التصنيفات: "الأسرع في القراءة"، "الأفضل في الحساب"، "نجم الفريق"... لكن خلف هذه الإنجازات الظاهرة، يكمن توتر خفيّ، وإحساس داخلي بأن قيمته مرهونة بما يُقدمه لا بما هو عليه.
حيث أظهرت دراسة واسعة أجرتها الكاتبة جينيفر بريهيني والاس، أن 87% من الآباء يتمنون لو كان طفولة أبنائهم أقل توترًا. إلا أن التمنّي شيء، والواقع شيء آخر، خاصة في بيئات تتعزز فيها ثقافة "النجاح بأي ثمن"، وتزداد فيها المقارنات بفعل وسائل التواصل الاجتماعي.
قد يعتقد البعض أن الأطفال المنتمين لأسر ميسورة الحال يكونون في مأمن من آثار ضغط الإنجاز.
إلا أن أبحاثًا أجرتها عالمة النفس الراحلة سونيا لوتار أثبتت العكس تمامًا. فقد تبين أن أبناء الطبقات العليا، رغم توافر الراحة المادية، يُعانون من نسب مرتفعة من الاكتئاب، القلق، بل وتعاطي المواد المخدرة، تفوق أحيانًا ما يُسجل لدى أبناء الأحياء الفقيرة.
والسبب هو التوقعات العالية، والمنافسة المستمرة، وانعدام المساحة الآمنة للخطأ أو التراجع.
ليس المطلوب من الأهل التخلي عن دعم أبنائهم، بل إعادة النظر في معنى الدعم نفسه. هل هو توجيه دائم لتحقيق إنجازات محددة؟ أم هو احتضان لطفل في طور اكتشاف ذاته، بما يحمله من ميول مختلفة، وربما "غير مربحة" بالمعايير السائدة؟
فيما يلي بعض الممارسات التي تساعد على بناء بيئة صحية بعيدة عن ضغط الإنجاز:
خذ وقتًا يوميًّا للحديث مع طفلك دون هدف أو توجيه. فقط لتفهم من هو، وما الذي يحبه أو يخيفه.
امدح لطفه، مرونته، حسه بالعدالة، أو خياله الواسع، بدلًا من التركيز فقط على علاماته الدراسية.
لا تجعل من كل خطأ أزمة؛ فالمهارات الحقيقية تُبنى من خلال التجربة، بما فيها الفشل.
نزهة، لعبة، طبخة مشتركة... المهم أن يشعر الطفل بأن قيمته لا تتوقف على أدائه.
هل أصبح "النجاح" أهم من التعاطف، أو الهدوء، أو حب التعلم؟ قد يكون الوقت قد حان لإعادة ترتيب الأولويات.
في كتابها الشهير "البستاني والنجّار"، تشير الباحثة أليسون غوبنيك إلى أن التربية لا يجب أن تكون فعل تشكيل لطفل حتى يصبح "النسخة المثالية" التي نتمناها.
الأطفال ليسوا مشاريع قيد التنفيذ، بل كائنات مستقلة، متقلبة، تتعلم وتكبر بطريقتها الخاصة.
ومن هنا، فإن أفضل ما يمكن أن يقدمه الوالدان هو التقدير غير المشروط، والحب الذي لا يُقاس بالنتائج. وكما تقول الباحثة جينيفر والاس: "قلِّلوا من النقد، وأكثروا من الحنان"، فبهذه البساطة، يمكن للطفل أن ينمو ويزدهر... بعيدًا عن فخ الإنجاز.