ما إن تضع المرأة طفلها، حتى تنهمر التهاني، وتُحاط بعبارات الفرح والاحتفال. الجميع يراها "أصبحت أماً"، وكأنها دخلت مرحلةً من البهجة المطلقة.
لكن خلف هذا المشهد الهادئ، قد تخفي بعض الأمهات عاصفة لا تُرى بالعين، ولا تُقال بالكلمات.
إنها ليست مجرد تعب، ولا "تقلب مزاجي عابر"... بل قد تكون اكتئاب ما بعد الولادة في نسخته الأكثر خفاءً، والأصعب ملاحظة: النسخة الصامتة.
في كثير من الحالات، لا تظهر على الأم علامات الانهيار أو البكاء المستمر، ولا حتى فقدان القدرة على العناية بالطفل. بل على العكس، قد تبدو قوية، نشطة، بل ومُنجزة.
لكنها من الداخل، تخوض صراعاً لا يراه أحد. وقد لا تعترف به لنفسها، خوفاً من أن تُتهم بعدم الامتنان أو يُنظر إليها على أنها "أُم سيئة".
بحسب أطباء النفس، يمكن أن تتجلى أعراض هذا النوع من الاكتئاب بشكل مختلف، وغير نمطي. وهذه أبرز علاماته:
قد تعتني الأم بطفلها بشكل ممتاز، دون أن تشعر بالتواصل الحقيقي معه. لا تجد لوجوده صدى في قلبها، وتشعر وكأنها تقوم بمهام ميكانيكية دون رابط داخلي.
حتى مع الراحة الجسدية، تظل تشعر بالإرهاق وكأنها تُحمل جبلاً على كتفيها. لا شيء ينعشها، ولا يعود لها النشاط مهما حاولت.
قد تعيش في حالة استنفار دائم، تخاف من كل شيء: بكاء الطفل، درجة حرارته، تنفسه، أو حتى ردة فعل الآخرين على طريقتها في تربيته. هذا القلق لا يهدأ، ويتحوّل إلى صوت داخلي متوتر لا يتوقف.
تشعر بأنها لا تقوم بعملها "كما يجب"، مهما فعلت. تلوم نفسها على كل صغيرة وكبيرة، وتشعر بأنها تُقصّر بحق طفلها، زوجها، وحتى نفسها.
إما تنهمك بشكل غير طبيعي في المهام اليومية حتى تنسى نفسها، أو تنسحب كلياً من محيطها وتفقد الرغبة في التفاعل مع أحد. وفي كلا الحالتين، هي تهرب من مواجهة المشاعر التي لا تفهمها.
الخوف من الحكم، من نظرة المجتمع، من أن تُفهم بشكل خاطئ... كلها أسباب تدفع كثيرات للصمت. بل إن بعض الأمهات لا يدركن أن ما يعشنه له اسم علمي، أو أن هناك علاجاً لما يشعرن به.
اكتئاب ما بعد الولادة لا يُشبه اكتئاب الأفلام، ولا يُرى بالعين المجردة دائماً. إنه أحياناً يختبئ خلف الأم الأكثر التزاماً، أو الأكثر ابتسامة. الاستماع للأم دون إطلاق الأحكام، وتقديم مساحة آمنة للتعبير، قد يكونان طوق النجاة الذي تحتاجه.
لأن الأمومة ليست فقط احتضان طفل، بل أيضاً احتضانٌ للذات.