header-banner
أمومة

أخصائية نفسية لـ"فوشيا": هكذا نُعدّ أطفالنا للأحداث الصعبة

أمومة
إيمان بونقطة
25 يونيو 2025,8:00 ص

ليست الأمومة مجرد رعاية يومية، بل هي قيادة داخل بيت صغير، في عالم لا يتوقف عن التغير. من الطوارئ والكوارث، إلى الحروب، والتغييرات الحياتية الكبرى كالسفر أو فقدان شخص مقرّب، يُفاجأ الطفل بعالمه يهتزّ من دون سابق إنذار. وقد تجد الأم نفسها حائرة:
هل أخبره؟ كيف أشرح من دون أن أخيف؟ هل يجب أن أُبقيه في فقاعة الأمان أم أُعلّمه مواجهة الحياة؟

بين الخوف من إيذاء مشاعره، والرغبة في حمايته، وبين الصدق والاحتواء، تظهر الحاجة إلى التوجيه النفسي المتوازن.

في هذا الحوار الخاص لموقع "فوشيا" نستضيف الاختصاصية النفسية والاجتماعية لانا قصقص، لنتعمّق معها في كيفية الحديث مع الأطفال عن الأحداث الصعبة، وتقديم الدعم العاطفي بطريقة واعية ومحبة.

حوار عن الأحداث الصعبة مع الأطفال

1595f3da-7b6b-4c3d-b3ad-eabb63361d31

1. في البداية، كيف يُعرّف علم النفس مفهوم "الحدث الصعب" عند الأطفال؟ ومتى نعتبر أن الطفل قد تأثر فعلًا بما يحدث حوله؟

الحدث الصادم بالنسبة للطفل هو تجربة تتجاوز قدرته على الفهم والتأقلم، وتفوق طاقته النفسية الطبيعية على التحمل، وتشكل تهديدًا حقيقيًا أو متخيلاً لأمانه الجسدي أو النفسي. من أبرز هذه الأحداث: الحروب، الأمراض الخطيرة، التهجير القسري، فقدان أحد الوالدين أو الأشخاص المقربين، والتعرض للعنف، إضافة إلى التغيرات المفاجئة في نمط الحياة أو بيئة الطفل.

وعادةً ما نُدرك أن الطفل قد تأثر عندما نلاحظ تغيرات واضحة في سلوكياته، وأفكاره، ومشاعره، وتظهر هذه التغيرات من خلال اضطرابات في النوم أو الأكل، أو التبول اللاإرادي، أو مصّ الإصبع، أو التأتأة، أو التراجع في المهارات الحياتية، أو التوتر والخجل الزائد، أو نوبات من القلق أو الغضب، إضافة إلى الأحلام المزعجة أو الكوابيس، أو التعلق الزائد بالأهل أو العزلة الاجتماعية المفاجئة.

2. كيف تختلف طريقة استيعاب الأطفال للأزمات (كالحرب، أو الكوارث الطبيعية، أو التغيير المفاجئ في نمط الحياة) باختلاف أعمارهم؟

يختلف إدراك الأطفال للأحداث الصعبة باختلاف أعمارهم ومراحل تطورهم المعرفي والعاطفي.

ففي مرحلة ما قبل الخامسة، لا يستطيع الطفل فهم التفاصيل، إلا أنه يتأثر بشدة بما يحيط به، خاصةً بتوتر الوالدين ونبرة أصواتهم وتعابير وجوههم. في هذا العمر، يُستمد الإحساس بالأمان من الروتين اليومي والحنان والتواصل الجسدي، وأي اضطراب في هذه العناصر ينعكس مباشرة على شعوره بالاستقرار.

أما في المرحلة التي تتراوح بين الخامسة والعاشرة، يبدأ الطفل بإدراك بعض التفاصيل، لكنه يميل إلى تفسير الأحداث بطريقة خيالية ومضخمة، ما يزيد من قلقه.

بعد سن العاشرة، يصبح الطفل قادرًا على طرح الأسئلة ومحاولة فهم ما يجري، ولكنه لا يزال يفتقر إلى القدرة على تحليل الحدث في سياقه الواقعي.

أما في سن المراهقة، أي بعد الخامسة عشرة، فإن الفتى أو الفتاة يدركان حجم الأحداث بصورة أفضل، لكن من دون القدرة الكاملة على التفكيك العقلي المتزن، مما يولد مشاعر مركبة من الغضب أو الخوف أو التمرد أو الشعور بالعجز.

أخبار ذات صلة

5 خطوات لإصلاح علاقتك المتوترة بأولادك المراهقين

3. بعض الأمهات يفضّلن "إخفاء الحقيقة" بدافع الحماية. برأيك، هل الكتمان يحمي الطفل أم يربكه أكثر؟ ومتى يصبح الصدق ضرورة؟

إخفاء الحقيقة بدافع الحماية لا يُسهم بالضرورة في تعزيز شعور الطفل بالأمان، بل قد يزيد من ارتباكه وخوفه. فالطفل يمتلك حساسية عالية لما يشعر به من حوله، ويلتقط التوتر والصمت والتناقضات، ويبدأ في ملء الفراغات بأسوأ السيناريوهات الممكنة.

الصدق هنا لا يعني مشاركة جميع التفاصيل، بل قول الحقيقة بما يتناسب مع عمر الطفل، وطمأنته بأن الكبار حريصون على حمايته وتوفير الأمان له. فالصراحة المدروسة تتيح للطفل أن يضع الحدث في حجمه الحقيقي، ويشعر أن الكبار مسيطرون على الموقف، وهو ما يقلل من خيالاته المبالغ بها.

4. كيف يمكن للأم أن تشرح لطفلها ما يحدث من دون أن تزرع فيه الخوف أو فقدان الأمان؟ هل هناك جمل أو مفردات يجب تجنّبها؟

يجب أن يكون الشرح مبسطًا وصادقًا، متناسبًا مع عمر الطفل، خاليًا من التهويل أو التهوين. من المهم أن يشعر الطفل بأننا نعترف بمشاعره ولا ننكرها أو نسخر منها، وأننا نُصغي إليه وندعمه.

يُفضَّل تجنب العبارات مثل: "لا تخف"، "لا تبكِ"، "أنت تُبالغ"، لأنها تقطع التواصل العاطفي وتربك الطفل.

بدلاً من ذلك، يمكن استخدام عبارات مثل: "أنا معك إذا شعرت بالخوف"، "من الطبيعي أن تحزن"، "يمكنك أن تبكي إذا أردت"، "أخبرني بما تحتاج إليه لنساعدك على الشعور بالأمان".

كما ينبغي تجنب إعطاء وعود مطلقة بالأمان إن لم يكن ذلك مضمونًا، بل تقديم صورة واقعية تؤكد أننا نبذل ما بوسعنا لحمايته.

5. عند إخبار الطفل بخبر صادم، كوفاة أحد أفراد الأسرة أو تأجيل السفر المنتظر، ما الخطوات التي تُنصح بها الأم ليشعر بالأمان؟

أولاً، يجب اختيار وقت ومكان هادئين يتيحان للطفل التركيز والشعور بالاحتواء. يُفضل الجلوس بمستوى جسدي يوازي الطفل والنظر في عينيه بلطف.

يُقال الخبر بلغة بسيطة، واضحة وصادقة، من دون اللجوء إلى خيالات أو استعارات قد تربك الطفل.

يُمنح الطفل وقتًا لاستيعاب ما قيل، ويتم الإجابة على أسئلته بصدق حتى لو كانت مؤلمة.

كما يجب التأكيد له بأن مشاعره طبيعية ومُتفهمة، وأننا إلى جانبه ونشعر بما يشعر، من أجل تعزيز شعوره بالأمان والدعم العاطفي.

5e7611f5-8fc8-4b0a-8b1a-815edfbfcf63

6. كيف يمكن استخدام الروتين اليومي والأنشطة العائلية كوسيلة لدعم الطفل في الأوقات الصعبة؟

يُعد الروتين اليومي من أهم عناصر الاستقرار النفسي للطفل، إذ يمنحه شعورًا بالتحكم والوضوح وسط الفوضى أو الغموض.

يمكن للأهل تعزيز هذا الروتين من خلال أنشطة بسيطة كالمشاركة في إعداد الطعام، اللعب الجماعي، ممارسة الرياضة المنزلية، أو ترتيب البيت معًا.

كما يُنصح بتنظيم "اجتماعات عائلية" صغيرة تُمنح فيها الفرصة للتعبير عن المشاعر، وبناء الترابط الأسري.

الأهم أن ندرك أن اللحظات اليومية العادية، مثل تناول الطعام معًا أو القراءة قبل النوم، تُعد بحد ذاتها مصادر عميقة للأمان النفسي.

7. هل هناك علامات سلوكية معيّنة تشير إلى أن الطفل يحتاج مساعدة نفسية متخصصة بعد تعرّضه لحدث مؤلم؟

من الطبيعي أن تظهر على الطفل بعض الأعراض السلوكية بعد الصدمة، ولا يستدعي الأمر التدخل العلاجي الفوري.

لكن إذا استمرت هذه الأعراض لأكثر من أربعة أسابيع من دون تحسّن، فهنا يُنصح بالتوجه إلى أخصائي نفسي. ومن بين الأعراض التي تستوجب الانتباه:

  • اضطرابات مستمرة في النوم كالأرق أو الكوابيس.
  • فقدان الشهية أو الإفراط في الأكل.
  • أحاديث متكررة عن الموت أو إيذاء النفس.
  • تراجع مفاجئ في الأداء المدرسي أو المهارات.
  • ميل شديد للانعزال أو بكاء متكرر من دون سبب واضح.
  • نوبات هلع أو قلق مستمرة.

8. في البيئات التي تشهد اضطرابات مستمرة، كيف يمكن تعزيز مناعة الطفل النفسية من دون أن يفقد حساسيته تجاه الألم؟

تبدأ المناعة النفسية من خلال تشجيع الطفل على التعبير عن مشاعره، من دون أن يُطلب منه كبتها أو تجاوزها بسرعة.

يجب منحه الوقت الكافي ليشعر ويتفاعل، ثم يُدعم تدريجيًا لاكتساب مهارات التكيف الذاتي.

المساحة التي يُعطى فيها الطفل ليختبر مشاعره ويجد وسائله الخاصة للتأقلم، تُعد بيئة مثالية لبناء الاستقلالية العاطفية.

كما أن الروتين العائلي، وتقنيات النمذجة (أي تصرف الأهل بهدوء وتوازن أمام الأزمات)، تُساعد الطفل على تطوير سلوكيات مشابهة وأكثر نضجًا في مواجهة التحديات.

1ce8488b-5d38-482b-8064-52acb9355dbb

9. ماذا عن دور الأب أو باقي أفراد الأسرة؟ كيف نتأكد أن الرسائل التي تصل للطفل منسجمة وغير متناقضة؟

الانسجام في الخطاب العاطفي داخل الأسرة أمر بالغ الأهمية. لا يجوز أن تُقدَّم للطفل معلومات تُناقض الحالة العاطفية الفعلية للأهل.

على سبيل المثال، لا يمكن للأهل أن يُخبروا الطفل بأن "كل شيء على ما يُرام" في الوقت الذي تنهار فيه الأم أو يغيب الأب.

من المهم أن يكون هناك توافق بين الرسالة اللفظية والسلوك العاطفي الظاهر.

يمكن أيضًا عقد اجتماع عائلي بسيط يُخصّص لمشاركة المشاعر والأفكار، وتعزيز الترابط والتفاهم.

كما ينبغي منح الطفل حرية التعبير عن مشاعره، مع دعم واضح من الأهل لاحتوائها وتوجيهها.

10. وأخيرًا، ما هي رسالتك للأمهات اللواتي يعشن مشاعر الخوف والارتباك، ولا يعرفن من أين يبدأن في دعم أطفالهن؟

رسالتي لكل أم وأب تعصف بهما مشاعر الخوف والارتباك: أنتم لستم مطالبين بالكمال، ولا يُتوقع منكم امتلاك جميع الحلول.

يكفي وجودكم الحاضر والواعي بجانب أطفالكم، واحتضانهم والتواصل معهم بصدق وحنان.

لا تخجلوا من التعبير عن مشاعركم أمامهم، فالمشاعر الصادقة تبني الجسور بين القلوب، وتعلّمهم أن الخوف ليس عيبًا، وأن المرونة النفسية تبدأ من الاعتراف بما نشعر.

ولا بأس بأن تطلبوا الدعم إن شعرتم بالعجز، فالقوة ليست في إخفاء الألم، بل في السعي إلى تجاوزه مع من تحبون. 

وفي الختام، فعلينا أن نتيقن أنّ الأطفال لا يحتاجون إلى عالم مثالي، بل إلى تواصل صادق، وعناق في وقت الشك، وكلمات تُبنى من الطمأنينة لا من الذعر.

فحين تعترف الأم بمشاعرها، وتمنح الطفل مساحة لأسئلته وقلقه، تُعلّمه شيئًا عميقًا: أن القوة لا تعني إنكار الضعف، بل الحضور الكامل وقت الحاجة.

والأم الواعية، مهما تغير العالم من حولها، تبقى الثابت الأهم في حياة طفلها.

أخبار ذات صلة

ماذا عندما تصبح الأمومة رحلة شفاء؟

 

footer-banner
foochia-logo