قد ينام الطفل كل ليلة في سريره، يأكل وجبته في موعدها، ويرتدي أفضل ملابسه... لكنه في قرارة نفسه قد يشعر بالوحدة، أو بالحاجة لاهتمام لا يُشبّع بكثرة الألعاب ولا يُعوّض بالكلمات العابرة.
في خضم الانشغالات اليومية، وبين ركض الأهل خلف العمل والمهمات والمسؤوليات، تضيع لحظات صغيرة لكنها جوهرية، لحظات فيها الحضور المشاعري، لا الحضور الجسدي فقط، بل الاهتمام الصافي، والنظر الحقيقي، والسؤال الذي يُنتظر جوابه.
كم مرة سألنا أنفسنا: هل يشعر أطفالي أنني أراهم حقًا؟ هل كنت معهم اليوم، لا بجسدي فقط، بل بقلبي؟
هنا تأتي قاعدة 10/10/10 لتذكّرنا أن تربية الأطفال لا تحتاج إلى ساعات طويلة من الجلوس، بل إلى دقائق قصيرة ولكنها مليئة بالانتباه والحب الحقيقي. عشر دقائق فقط في ثلاثة أوقات محددة من اليوم، قادرة على إعادة وصل ما انقطع، وترميم ما تهالك من العلاقة، وخلق بيئة عاطفية آمنة ينمو فيها الطفل بشخصية متوازنة وثقة داخلية.
هذه القاعدة هي ممارسة يومية بسيطة وفعّالة، فكيف نطبقها؟ ولماذا تُعتبر من أقوى أدوات بناء علاقة عميقة مع الطفل؟ هذا ما نكتشفه في السطور التالية.
تعتمد هذه القاعدة على تخصيص 10 دقائق من الحضور الكامل والانتباه التام للطفل في ثلاث محطات يومية رئيسية:
هذه اللحظات هي المفتاح لبدء يوم الطفل بشعور من الطمأنينة والقبول. احتضانه، النظر في عينيه، والحديث معه بلطف عن ما ينتظره في يومه يبعث برسائل غير لفظية قوية تقول له: "أنا موجود، وأنت مهم".
الطفل الذي يبدأ يومه بهذا التواصل الدافئ يكون أكثر استعدادا للتعامل مع تحديات المدرسة والعالم الخارجي بثقة.
رغم الانشغال والإرهاق، هذه الدقائق القليلة تُشكّل نقطة التقاء عاطفي حقيقية. بدلاً من الانشغال بالهاتف أو الروتين، الجلوس مع الطفل وسؤاله عن يومه، أو حتى اللعب معه لدقائق، يمنحه شعورا بأنه ما زال في قلب اهتمامك.
هذه اللحظات تعزز الترابط، وتساعد على تفريغ مشاعر الطفل المكبوتة خلال يومه.
وقت النوم ليس فقط لإغلاق الأضواء، بل هو مساحة حميمة مليئة بالإمكانيات التربوية والعاطفية.
يمكن استثمارها في قراءة قصة، أو حوار بسيط، أو حتى مجرد وجودك هادئا بالقرب منه. هذا الروتين المسائي يخلق شعورًا بالأمان، ويمنح الطفل نهاية يوم مليئة بالسكينة والانتماء.
رغم بساطة القاعدة، إلا أنها فعّالة بشكل كبير إذا تم تطبيقها بصدق وحضور ذهني كامل. المهم ليس طول الوقت، بل عمقه وجودته. فالكثير من الأطفال يقضون ساعات مع أهلهم من دون تواصل حقيقي، بينما قد تصنع عشر دقائق واعية فرقًا في نظرتهم إلى أنفسهم والعالم من حولهم.
في زمن تتناقص فيه اللحظات الحقيقية وتكثر فيه المشتتات، تأتي قاعدة 10/10/10 لتذكّرنا أن الأبوة والأمومة لا تحتاجان إلى الكمال، بل إلى القرب. مجرد 30 دقيقة يوميا من الحضور الكامل كفيلة بزرع الأمان، وتنمية الحب، وبناء شخصية متوازنة وواثقة في أطفالنا.