في لحظة ما، تجد الأم نفسها تحت أشعة الشمس في مقهى هادئ، أو على شاطئ البحر، أو حتى في جلسة استرخاء قصيرة مع صديقاتها، وفجأة، يمر شبح الشعور بالذنب.
كيف يمكنني أن أستمتع بينما أطفالي في مكان آخر؟ هل أنا أم صالحة إن قضيت وقتًا لنفسي؟
هذا الشعور ليس غريبًا ولا نادرًا، بل هو تجربة شائعة بين الأمهات، تعكس تداخلاً عميقًا بين الحب، والمسؤولية، وصورة "الأم المثالية" التي ترسخت في الوعي الجمعي لسنوات.
في كثير من الثقافات، لا سيما في المجتمعات العربية، تُصوّر الأمومة على أنها تفرّغ كامل وتضحية لا متناهية.
أي خطوة خارج هذا الإطار تُقابل أحيانًا بتساؤلات أو نظرات نقد. هذه التوقعات غير المنطوقة تزرع في الأمهات شعورًا داخليًا بأن الاستمتاع الفردي لا يتماشى مع “المثالية” المفترضة، وأن الوقت الذي يُقضى بعيدًا عن الأبناء هو نوع من الإهمال أو الأنانية.
من الطبيعي أن ترتبط الأم عاطفيًا بأبنائها إلى درجة تجعلها تفكر فيهم طوال الوقت. وهذا لا يعني أن شعورها بالذنب غير مبرر، لكنه في أحيان كثيرة نابع من الحب والارتباط، أكثر من كونه دليلًا على تقصير فعلي.
بل إن وجود هذا الإحساس قد يعكس وعيًا عاليًا بأهمية الدور التربوي، وحرصًا على التوازن بين العطاء والغياب.
المشكلة لا تكمن في الشعور بالذنب بحد ذاته، بل في ما إذا كان يقيّد حياة الأم، ويمنعها من العناية بنفسها، أو يزرع بداخلها إحساسًا دائمًا بالتقصير. فالأم التي لا تسمح لنفسها بالتنفّس قد تصل إلى الإرهاق، وربما تفقد شغفها وسكينتها الداخلية؛ ما ينعكس على تعاملها مع أطفالها.
الراحة، والضحك، واللحظات الخاصة ليست ترفًا للأم، بل هي ضرورية. حين تمنح الأم نفسها مساحة للهدوء والاستجمام، فإنها تعود أكثر توازنًا، وصبرًا، ودفئًا. هذه الحقيقة مدعومة بأبحاث علمية، تؤكد أن الصحة النفسية للأم تؤثر بشكل مباشر على النمو العاطفي والسلوكي لأطفالها.
ليس من الخطأ أن تستمتعي بوقتك بعيدًا عن أطفالك، بل هو حق إنساني، وركن من أركان الرعاية الذاتية. مشاعر الذنب طبيعية، لكن لا تدعيها تسلبك لحظاتك الخاصة.
الأمومة ليست نكرانًا للذات، بل رحلة حبٍ وتوازنٍ ووعي. وكلما منحتِ نفسك لحظة راحة، كلما عدتِ لأطفالك بقلب أكثر امتلاءً، وابتسامة أكثر صدقًا.